وقوله ـ عزوجل ـ : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ).
تحتمل الآية وجوها : يوما للمؤمنين ويوما عليهم ، وذلك أن الأمر بمجاهدة العدو والقتال معهم محنة من الله ـ تعالى ـ إياهم يمتحنهم ويبتليهم ؛ مرة بالظفر لهم والنصر على عدوهم ، ومرة بالظفر (١) [للعدوّ عليهم ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء : ٣٥] ، وكقوله : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ) [الأعراف : ١٦٨] يمتحن عباده](٢) بجميع أنواع المحن ، بالخير مرة ، وبالشر ثانيا.
ويحتمل المداولة ـ أيضا وجها آخر : وهو أن الظفر والنصر لو كان أبدا للمؤمنين ـ لكان الكفار إذا أسلموا لم يسلموا إسلام اختيار ؛ ولكن إنما آمنوا إيمان قهر وكره وجبر ؛ لما يخافون على أنفسهم من الهلاك إذا رأوا الدولة والظفر للمؤمنين ، وإن كان الظفر والنصر أبدا للكفار ؛ فلعلهم يظنون أنهم المحقون فيمنعهم ذلك عن الإسلام.
ويحتمل أن ما يصيب ، [بمعصية](٣) ، المؤمنين إنما يصيب بمعصية سبقت منهم ، أو خلاف كان منهم ؛ من ترك أمر أو ارتكاب نهي ، والله أعلم.
فإن طعن طاعن من الملاحدة في قوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) [محمد : ٧] ، وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ) [آل عمران : ١٦٠] أليس وعد أنكم إن نصرتم دينه ينصركم ، وأخبر ـ أيضا ـ أنه إن نصركم فلا غالب لكم ، فإذا نصرتم دينه فلم ينصركم ؛ أليس يكون خلفا في الوعد؟ أو إن نصركم فغلبتم يكون كذبا في الخبر.
قيل : لهذا جواب من أوجه :
قيل : يحتمل قوله ـ عزوجل ـ : إن تنصروا دين الله في الدنيا ينصركم في الآخرة بالحجج ؛ كقوله : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا ..). الآية [غافر : ٥١] ، وكقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) [النساء : ١٤١].
وقيل : إن تنصروا دين الله ولم تعصوا الله فيه ـ ينصركم ؛ فلا غالب لكم.
وقيل : يحتمل : إن تنصروا دين الله جملة ـ ينصركم ؛ كقوله ـ عليهالسلام ـ : «لن يغلب اثنا عشر ألفا من قلّة ، كلمتهم واحدة» (٤) وكقوله ـ عزوجل ـ : (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِ
__________________
(١) في ب : بالظفر بالنصر.
(٢) ما بين المعقوفين سقط من ب.
(٣) سقط من ب.
(٤) أخرجه أحمد (١ / ٢٩٤ ، ٢٩٩) ، وعبد بن حميد (٦٥٢) ، وأبو داود (٢٦١١) ، والترمذي (١٥٥٥) ، وابن خزيمة (٢٥٣٨) ، وأبو يعلى (٢٥٨٧) ، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (٥٧٢) ، ـ