ما سَأَلْتُمُوهُ) [إبراهيم : ٣٤].
وقيل : إن تنصروا دين الله ينصركم ؛ أي : يجعل الظفر ؛ والنصر في العاقبة لكم ، وكذلك : وإن كان في ابتداء الأمر الغلبة على المؤمنين ؛ فإن العاقبة لهم في الحروب كلّها ، ومقدار ما كان عليهم إنما كان لأمر سبق منهم : إمّا إعجابا بالكثرة ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً) [التوبة : ٢٥] ، وإمّا خلافا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وفي قوله ـ عزوجل ـ : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) دلالة أن كان من الله معنى لديه تكون الغلبة لهم ؛ بقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ) ولكان هو يجعل أبدا الدولة لأحد الفريقين ، وقد أخبر أنه يجعل لهما ، ومعلوم إن كانت الدولة بالغلبة ، فثبت أن من الله في صنع العباد ـ صنع له أضيف [إليه صنيعهم](١) ، والله أعلم.
ثم معلوم أن الغلبة لو كانت للمسلمين ـ كان ذلك ألزم للحجّة ، وأظهر للدعوة ، وأدعى [إلى الإجابة](٢) ، وفيها كل صلاح ، فثبت أن ليس في المحنة شرط إعطاء الأصلح ، والله أعلم.
وفي قوله ـ عزوجل ـ : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) ردّ قول الأصلح ؛ حيث قالوا : إن الله لا يفعل إلا الأصلح في الدين ، يقال لهم : أي صلاح للمؤمنين في مداولة الكافرين على المؤمنين؟!.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) :
أي : ليعلم ما قد علم بالغيب أنه يؤمن بالامتحان مؤمنا شاهدا ، وليعلم ما قد علم أنه يكون كائنا.
وجائز أن يراد بالعلم : المعلوم ؛ كقوله : الصلاة أمر الله ، أي : بأمر الله.
وفي قوله ـ عزوجل ـ : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا ..). الآية ، تخرج على أوجه :
__________________
ـ وابن حبان (٤٧١٧) ، والحاكم (١ / ٤٤٣) (٢ / ١٠١) ، والبيهقي (٩ / ١٥٦) من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس مرفوعا : «خير الصحابة أربعة ، وخير السرايا أربعمائة ، وخير الجيوش أربعة ألاف ، ولا يغلب اثنا عشر ألفا من قلة».
وأخرجه عبد الرزاق (٩٦٩٩) ، وسعيد بن منصور (٢٣٨٧) وأبو داود (٣١٣ ، ٣١٤) ، والطحاوي شرح المشكل (١ / ٢٣٩) من طريق الزهري قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ... فذكره كذا منقطعا.
وقال أبو داود : والصحيح أنه مرسل.
(١) بدل ما بين المعقوفين في ب : إليهم صنعهم.
(٢) بدل ما بين المعقوفين في ب : للإجابة.