أحدها : أن ما وصفت الله به إذا ذكرت معه الخلق ـ تذكر وقت كون الخلق ؛ لئلا يتوهم قدمه ، وإذا وصفت الله ـ تعالى ـ بلا ذكر الخلق وصفته به في الأزل ؛ نحو أن تقول : عالم ، قادر ، سميع ـ في الأزل ، فإذا ذكرت المسموع والمقدور عليه والمعلوم ـ ذكرت وقت كونه ؛ لتزيل توهم القدم على الآخر ؛ وعلى هذا عندنا القول ب «خالق» «رازق» ونحو ذلك ، والله أعلم.
والثاني : على تسمية معلومة علما في مجاز اللغة ؛ وذلك كما سمّى عذاب الله في القرآن أمره ، وسمى الناس الصلاة ـ وغيرها من العبادات ـ أمره ، على معنى أنها تفعل بأمره ؛ وكذلك ما سميت الجنة رحمته ، على أن كان فيها (١) ؛ فيكون : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) : أي : ليكون الذين آمنوا على ما علمه يكون ، والله أعلم.
والثالث : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) في الغيب شهودا ؛ إذ هو عالم الغيب والشهادة ، وتحقيق ذلك لا يكون بحادث العلم ، وذلك نحو من يعلم الغد يكون ؛ يعلمه بعد الغد ، وإن لم يكن له حدوث العلم قد كان ؛ وعلى هذا قيل : ليعلمه كائنا لوقت كونه ما قد علمه يكون قبل كونه ، والله أعلم.
وقال بعض أهل التأويل : ليكون الذي علمه يكون بالمحنة ظاهرا موجودا ، وهو يرجع إلى ما بيّنا.
وقال بعضهم : ليراه ، وهذا من صاحبه ظن أن الكلام في الرؤية لعله أيسر ، وعن التشبيه أبعد ، وعند من يعرف الله حق المعرفة : هما واحد (٢)
والأصل في هذا ونحوه في الإضافات إلى الله : أنها كانت بالأحرف المجعولة المتعارف في الخلق ، ثم هي تؤدي عن كل ما يضاف إليه ، ويشار إليه ما كان عرف من حال ذلك قبل الإضافة ، لا أن يقدر عند الإضافة معنى لا نعرفه به لو لا ذلك ، على ما عرف من الاشتراك في اللفظ (٣) والاختلاف في المعنى ؛ فعلى ذلك أمر الإضافة إلى الله ـ تعالى ـ ويوضح ذلك ما لم يفهم أحد من قوله ـ عزوجل ـ : (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ) [البقرة : ٢٣٠] ما فهم من إضافة الحدود إلى غيره ؛ وكذلك بيوت الله ، وعباد الله ، وروح
__________________
(١) في ب : بها.
(٢) انظر : بعض هذه الأقوال في اللباب لابن عادل (٥ / ٥٥٩).
(٣) الاشتراك في اللفظ ، أو المشترك : هو اللفظ الواحد المتناول لعدة معان ، من حيث هي كذلك ، بطريق الحقيقة.
راجع : البحر المحيط للزركشي (٢ / ١٢٢) ، ونهاية السول للإسنوي (٢ / ١١٤) ، تيسير التحرير لأميربادشاه (١ / ١٨١) ، التقرير والتحبير لابن أمير الحاج (١ / ٢١٣).