الله وكلمته ، ونحو ذلك ، فمثله الذي نحن فيه.
وجائز ـ في الجملة ـ أن يوصف الله بأنه لم يزل عالما بكون كل ما يكون كيف يكون؟ وفي وقت كونه كائنا ؛ وبعد كونه قد مضى كونه ؛ على تحقيق التغير في أحوال الذي يكون لا في الله ـ سبحانه وتعالى ـ إذ تغير الأحوال واستحالتها من آيات الحدث وأمارات الصنعة.
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ في قوله ـ عزوجل ـ : (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) : قيل فيه بوجهين :
أحدهما : «ولم يعلم» ، وهو يخرج على وجهين :
أحدهما : على إثبات أنه علم أنهم لم يجاهدوا ؛ كقول الناس : ما شاء الله كان ، [وما لم يشأ لم يكن](١) ، أي : شاء ألا يكون ، لا يكون.
والثاني : أنه عالم بكل شيء ، فلو كان منكم جهاد لكان يعلمه ، وإنما لم يعلمه ؛ لأنه لم يكن ؛ وعلى ذلك قوله ـ عزوجل ـ : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) [المدثر : ٤٨] أي : ليس لهم.
والثاني : قوله ـ عزوجل ـ : (وَلَمَّا يَعْلَمِ) بمعنى : إلا ؛ كقوله : (لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) [الطارق : ٤] ـ بالتشديد (٢) ـ بمعنى : إلا عليها حافظ ؛ فيكون معنى الآية : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ)؟! لا تدخلوها إلا أن يعلم الله مجاهدتكم ، أي : حتى تجاهدوا فيعلم الله ذلك منكم موجودا ، والله أعلم.
وكذلك قوله ـ عزوجل ـ : (وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) أي : ليعلم ما قد علم أنه يصير صابرا ؛ وكذلك قوله : (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) [العنكبوت : ٣] أي : ليعلمن الذين قد علم أنهم يصدقون ـ صادقين ، وليعلمن الذين قد علم أنهم يكذبون ـ كاذبين ، وكذلك قوله ـ عزوجل ـ : (حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ) [محمد : ٣١] أي : حتى يعلم ما قد علم أنهم يجاهدون ـ مجاهدين ، وأصله : قوله ـ عزوجل ـ : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) [الحشر : ٢٢] ليعلم شاهدا ما قد علم غائبا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) أي : يستشهدون في سبيل الله بأيدي عدوهم.
__________________
(١) بدل ما بين المعقوفين في ب : وما لا يشاء لا يكون.
(٢) قرأ بالتخفيف (لما) أبو عمرو ونافع والكسائي وابن كثير ، وقرأ باقى السبعة (لمّا) بالتشديد ينظر : الإتحاف (٢ / ٦٠٢) ، الحجة لابن خالويه (ص : ٣٦٨) ، السبعة ص (٦٧٨) ، النشر (٢ / ٢٩١).