ويحتمل : ويتخذ منكم شهداء على الناس ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) [البقرة : ١٤٣] ، وفيه دلالة أنهم لا يستوجبون بنفس الإيمان الشهادة على الناس ، حتى تظهر الصيانة والعدالة في أنفسهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) : أي : يمحص ذنوبهم وسيئاتهم.
وقوله : ـ عزوجل ـ (وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ) : أي : يهلكهم ويستأصلهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) : ما ذكرنا من تمحيص الذنوب على ما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «السّيف محّاء للذّنوب» (١).
(وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ) : أي : يهلكهم ، ولا يكون السيف تمحيصا لهم من الكفر ، بل يهلكهم في النار.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) :
قيل : بل حسبتم أن تدخلوا الجنة (٢).
(وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ).
قيل فيه بوجهين :
قيل : (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ) : أي : ولم يعلم الله الذين جاهدوا منكم ؛ أي : لم يجاهدوا (٣).
وقيل : (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) ، و «لما» بمعنى : «إلا يعلم» ، بمعنى : لا تدخلون (٤) الجنة إلا أن يعلم الله الذين جاهدوا منكم ؛ وهو كقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) [الطارق : ٤] : من قرأ بالتشديد ؛ فكان معناه : «إلا عليها حافظ» ، ومن قرأ بالتخفيف ؛ فمعناه : لعليها حافظ ، و «ما» صلة.
وفي قوله ـ عزوجل ـ : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) ، أي : ظننتم ذلك ، (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) ، وقال في [موضع آخر](٥) : (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ) الآية
__________________
(١) أخرجه ابن المبارك في «الجهاد» (٧) ومن طريقه الطيالسي (١٢٦٧) ، وابن حبان (٤٦٦٣) ، والبيهقي (٩ / ١٦٤) ، وأخرجه أحمد (٤ / ١٨٥ ـ ١٨٦) ، والدارمي (٢ / ٢٠٦) ، والطبراني في الكبير (١٧ / ٣١٠ ، ٣١١) من حديث عتبة بن عبد السلمي مرفوعا مطولا.
وفيه : «إن السيف محاء للخطايا».
(٢) ذكره أبو حيان في تفسيره (٣ / ٧١) ، والقرطبي في تفسيره (٤ / ١٤٢) ، وابن عادل في اللباب (٥ / ٥٦٢).
(٣) ذكره الزمخشري في تفسيره (١ / ٤٢٠) ، وأبو حيان (٣ / ٧٢) ، ونسبه للزمخشري ، وذكره القرطبي في تفسيره (٢ / ١٤٢) ، وابن عادل في اللباب (٥ / ٥٦٣).
(٤) في ب : تدخلوا.
(٥) بدل ما بين المعقوفين في ب : مواضع أخر.