عرفتموه خان قط أو غلّ ؛ فكيف يحتمل الخيانة بعد ما أرسل؟! هذا لا يحتمل.
ومن قرأه بالرفع [أي : يغلّ] فهو ـ أيضا ـ يحتمل وجهين ، أي : يتهم بالغلول (١) في الغنيمة ؛ فهو يرجع إلى تأويل الأول.
ويحتمل قوله : «أن يغلّ» أن يخان في الغنيمة ، لا يخون ولا يحل أن يخان النبي صلىاللهعليهوسلم في الغنيمة ؛ فإنه يطلع على ذلك ، يطلع الله ورسوله ، على ما جاء في بعض الأخبار أنّه مرّ بقبر ، فقال : إنه في عذاب ، قيل : بما ذا يا رسول الله؟! فقال : «إنّه كان أخذ من الغنيمة قدر درهمين أو نحوه» (٢).
ويحتمل : خصوص الغنيمة بما يتناول الغالّ حلّه ، بما لا يعرف له صاحب ؛ كالمال الذي لا مالك له ، وربما يباح التناول منه للحاجة والأخذ بغير البدل بوجه لا يحتمل بتلك أكل الحل من ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ) :
أي : يؤخذ به يوم القيامة ، وهكذا كل من أخذ من مال غيره بغير إذنه ؛ فإنه يؤخذ به.
وقال بعض الناس : وإنما خص الغنيمة بفضل وعيد ؛ لأن الغلول فيها يجحف بحق الفقراء وأهل الحاجة ، أو يضر ذلك أصناف الخلق ، وسائر الأموال ليس كذا.
وقيل : إنما جاء الوعيد في هذا أنهم كانوا أهل نفاق ، يستحلون الغلول في الغنيمة والأخذ منها ، وهذا كأنه أشبه.
وعن ابن عباس (٣) ـ رضي الله عنه ـ قال : بعث [رسول الله](٤) صلىاللهعليهوسلم جيشا فغلوا رأس ذهب ؛ فنزلت [الآية](٥) : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ).
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أيضا ـ قال : فقدت قطيفة حمراء يوم بدر مما
__________________
(١) الغلول : الخيانة. ينظر : القاموس (ص : ٩٣٦) (غلل).
(٢) أخرجه الحميدي (٨١٥) ، وأحمد (٤ / ١١٤) ، وعبد بن حميد (٢٧٢) ، وأبو داود (٢٧١٠) ، وابن ماجه (٢٨٤٨) ، والنسائي (٤ / ٦٤) ، وابن الجارود (١٠٨١) ، والحاكم (٢ / ١٢٧) ، والبيهقي (٩ / ١٠) من طرق عن يحيى بن سعيد عن محمد ابن يحيى بن حبان عن أبي عمرة عن زيد بن خالد قال : مات رجل بخيبر فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «صلوا على صاحبكم ، إنه غلّ في سبيل الله». ففتشنا متاعه فوجدنا فيه خرزا من خرز يهود ما يساوي درهمين.
وأبو عمرة مجهول ، قال الذهبي : ما روى عنه سوى محمد بن يحيى بن حبان. ينظر : الميزان (٧ / ٤٠٨).
(٣) أخرجه بنحوه ابن جرير (٧ / ٣٥٣) ، رقم (٨١٥٢) ، (٨١٥٣) عن قتادة وعن الربيع بن أنس (٨١٥٤) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ١٦١) ، وعزاه للطبراني عن ابن عباس بسند جيد.
(٤) بدل ما بين المعقوفين في ب : النبي.
(٥) سقط من ب.