أصيب من المشركين ؛ فقال الناس : لعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخذها لنفسه ؛ فأنزل الله ـ تعالى ـ : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ)(١).
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ) :
قيل : أفمن لم يغل ، ولم يأخذ من الغنيمة شيئا ـ كمن غلّ وأخذ منها؟! ليسا سواء ؛ رجع أحدهما برضوان الله ، والآخر بسخطه (٢).
ويحتمل : (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ) : أفمن أطاع الله واتبع أمره ، كمن عصى الله واتبع هواه؟! ليسا بسواء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ) :
والدرجات ـ والله أعلم ـ : ما يقصدها أهلها. والدركات : ما تدركهم من غير أن يقصدوها ؛ كالدرك في العقود يدرك من غير قصد.
وقيل : الدرجات : ما يعلو. والدركات : ما يسفل (٣) ، والله أعلم. فهذا في التسمية المعروفة أن سمّيت النار دركات والجنة درجات ، وحقيقة ذلك واحد ، والآية تدل على الأمرين.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) :
وجه المنة فيما بعث الرسل عليهم من البشر ، ولم يرسلهم من الملائكة ولا من الجن ـ وجوه :
أحدها : أن كل جوهر يألف بجوهره ، وينضم إليه ما لم يألف بجوهر غيره ، ولا ينضم إلى جنس آخر ، فإذا كان كذلك ، والرسل إنما بعثوا لتأليف قلوب الخلق وجمعهم ، والدعاء إلى دين يوجب الجمع بينهم ، ويدفع الاختلاف من بينهم ـ فإذا كان ما وصفنا بعثوا من جوهرهم وجنسهم ؛ ليألفوا بهم وينضموا إليهم ، والله أعلم.
والثاني : أن الرسل لا بدّ لهم من أن يقيموا آيات وبراهين لرسالتهم ، فإذا كانوا من غير جوهرهم وجنسهم لا يظهر لهم الآيات والبراهين ؛ لما يقع عندهم أنهم إنما يأتون ذلك بطباعهم دون أن يأتوها بغير إعطائهم إياها ذلك.
والثالث : أن ليس في وسع البشر معرفة غير جوهرهم وغير جنسهم من نحو الملائكة
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٧ / ٣٤٨ ـ ٣٥٠) (٨١٣٦) ، (٨١٣٨ ـ ٨١٤٢) عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ١٦١) وزاد نسبته لعبد بن حميد ، وابن المنذر والطبراني.
(٢) أخرجه ابن جرير (٧ / ٣٦٥) (٨١٦٩) عن الضحاك ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ١٦١) وعزاه لابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير.
(٣) ذكره بمعناه السيوطي في الدر (٢ / ١٦٥) ، وعزاه لابن المنذر عن الضحاك.