الدِّينَ) [العنكبوت : ٦٥] ، فإذا ذهب ذلك عنهم عادوا إلى دينهم الأول ، وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ) الآية [الزمر : ٨] ، وأمّا المؤمنون : فهم في جميع أحوالهم : في حال الرخاء والشدة ، والضراء والسراء ـ مخلصون لله صابرون على مصائبهم وشدائدهم قائلون : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) [البقرة : ١٥٦].
وقوله ـ عزوجل ـ : (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ) : يحتمل هذا وجوها : قيل : إنما كانوا كذا ؛ لأنهم كانوا يقولون للمؤمنين : (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) وإن كان للكافرين نصيب قالوا : (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النساء : ١٤١] : ذكروا كونهم مع المؤمنين ، وذكروا في الكافرين استحواذهم عليهم ، ومنعهم من المؤمنين ؛ فذلك آية الأقرب منهم.
ويحتمل : أقرب منهم للإيمان ؛ لأن ما أظهروا من الإيمان كذب ، والكفر نفسه كذب ؛ فما أظهروا من الإيمان فهو كذب إلى الكذب الذي هم عليه أقرب ، وهو الكفر.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ) قال : «هم يومئذ يسرون الكفر ، ويظهرون الإيمان ، وسرّ العبد أولى من علانيته ، وفعله أولى من قوله» (١).
(يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) :
وهو قولهم ، وقيل : وهم منهم أقرب ؛ لأنهم كانوا في الحقيقة كفارا على دينهم.
وفي قوله ـ تعالى ـ : (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ) ـ يحتمل الذم ، وقيل : كقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها) [الأحزاب : ١٤] ؛ فيكون الوصف بالقرب على الوقوع والوجوب ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف : ٥٦] ، أي : هي لهم ـ وبالله التوفيق ـ وذلك لأنهم كانوا أهل نفاق ، والكفر لم يكن يفارق قلوبهم ، وما كان من إيمانهم كان بظاهر اللسان ، [ثم](٢) قد يفارقها في أكثر أوقاتهم ، والله أعلم.
وقد يكون على القرب من حيث كانوا شاكّين في الأمر ، والشاك في أمر الكفر والإيمان تارك للإيمان ؛ إذ حقيقته تصديق عن معرفة ، ولم يكن لهم معرفة ، والكفر قد يكون بالتكذيب ؛ كأن له بما يكذب علم بالكذب أولا ؛ فلذلك كان الكفر أقرب إليهم ، ويحتمل : أقرب إليهم : أولى بهم ، وهم به أحق أن يعرفوا ؛ بما جعل الله لهم من إعلام
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٧ / ٣٧٩) (٨١٩٤) عن ابن إسحاق ، وذكره الرازي في تفسيره (٩ / ٧٠).
(٢) سقط من ب.