ذلك في لحن القول (١) ، ثم في أفعال الخير ، ثمّ في أحوال الجهاد ، ومما يظهر منهم من آثار الكفر في الأقوال والأفعال مما جاء به القرآن ، والله أعلم.
فإن قيل في قوله : (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) ـ : كيف عم هؤلاء بالعقوبة ، وإنما كان العصيان والخلاف في الأمر من بعضهم لا من الكل ، قيل : لما خرج لهم ذلك مخرج الامتحان والابتلاء ، لا مخرج الجزاء لفعلهم ، ولله أن يمتحن عباده ابتداء بأنواع المحن من غير أن يسبق منهم خلاف في الأمر أو عصيان ، وكل عقوبة خرجت مخرج جزاء عصيان أو خلاف في أمر ـ لم يؤاخذ غير مرتكبها ؛ لقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الإسراء : ١٥] ، وما خرج مخرج الامتحان جاز أن يعمهم ؛ لما ذكرنا أن له ابتداء امتحان ، أو إن كان ما كان منهم بمعونة غيرهم ؛ فعمهم لذلك بذلك ، كقطّاع الطريق وكسرّاق أن تعمهم العقوبة جميعا : من أخذ ومن لم يأخذ ، ومن تولى ومن لم يتولّ ؛ فكذلك هذا ، أو كانوا جميعا كنفس واحدة ؛ فعمهم بذلك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ)
قيل : لإخوانهم في الدين ، ومعارفهم من المنافقين :
(لَوْ أَطاعُونا)
ولم يخرجوا إلى الجهاد
(ما قُتِلُوا).
وقيل : لإخوانهم في النسب والقرابة ، وليسوا بإخوانهم في الدين والولاية ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) [الأعراف : ٧٣] ليس بأخيهم في الدين [ولا] في الولاية ؛ ولكن كان أخاهم في النسب والقرابة.
(لَوْ أَطاعُونا)
وقعدوا عن الخروج في الجهاد (ما قُتِلُوا) في الغزو.
ثم قال ـ عزوجل ـ لنبيّه صلىاللهعليهوسلم أن قل لهم : (قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ)
أي : ادفعوا عن أنفسكم الموت
(إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)
بأنهم لو قعدوا في بيوتهم ما قتلوا ؛ فمعناه ـ والله أعلم ـ : أن من قتل في سبيل الله
__________________
(١) يقال : لحن له : قال له قولا يفهمه عنه ، ويخفى على غيره ، وألحنه القول : أفهمه إياه. ينظر : القاموس المحيط ص (١١٠٨) (لحن).