بل أماتوها ؛ فسمى أولئك أحياء ، والكفار موتى.
وقيل : سمى هؤلاء أحياء ؛ لأنهم انتفعوا بحياتهم ، وسمى الكفار أمواتا ؛ لما لم ينتفعوا بحياتهم. ألا ترى أنه ـ عزوجل ـ سماهم مرة (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) [البقرة : ١٨] ؛ لما لم ينتفعوا بسمعهم ولا ببصرهم ولا بلسانهم ، ولم يسم بذلك المؤمنين ؛ لما انتفعوا بذلك كله؟! فعلى ذلك سمى هؤلاء أحياء ؛ لما انتفعوا بحياتهم ، وأولئك الكفرة موتى ؛ لما لم ينتفعوا بحياتهم ، والله أعلم.
وقال الحسن : إن أرواح المؤمنين يعرضون على الجنان ، وأرواح الكفار على النار (١) ؛ فيكون لأرواح الشهداء فضل لذة ما لا يكون لأرواح غيرهم من المؤمنين ذلك ، ويكون لأرواح آل فرعون فضل ألم وشدة ما لا يكون لأرواح غيرهم من الكفرة ذلك ؛ فاستوجبوا بفضل اللذة على غيرهم اسم الحياة. ألا ترى أنه قال ـ تعالى ـ : (يُرْزَقُونَ) : فيها ، (فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ).
وقيل (٢) : إن الناس كانوا يقولون فيما بينهم : من قتل ب «بدر» وأحد مات فلان ومات فلان ؛ فقال الله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ) البقرة : ١٥٤](٣).
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) :
روي عن مسروق (٤) ، قال : سألت عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عن هذه الآية : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ..). الآية ؛ قال : سألت عن ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ فقال : «أرواحهم عند الله فى حواصل طير خضر ، لها قناديل معلّقة بالعرش ، تسرح فى الجنّة فى أيّها شاءت ثمّ تأوى إلى قناديلها ...» (٥) والحديث طويل.
__________________
(١) ذكره ابن عادل بنحوه في اللباب (٦ / ٤٨).
(٢) أخرجه بنحوه ابن جرير (٧ / ٣٩٢) (٨٢٢١) عن الضحاك.
(٣) قال الواحدي : الأصح في حياة الشهداء ما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم من أن أرواحهم في أجواف الطير ، وأنهم يرزقون ويأكلون ويتنعمون.
ينظر : محاسن التأويل (٤ / ٢٩٠).
وهذا الخبر المروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أخرجه أحمد (١ / ٢٦٦) وأبو داود عن ابن عباس مرفوعا.
وقد أطال الفخر الرازي النفس في تفسير حياة الشهداء ، فليراجع مفاتيح الغيب (٩ / ٧٣ ـ ٧٦).
(٤) مسروق بن الأجدع الهمداني أبو عائشة الكوفي الإمام القدوة : ثقة لا يسأل عن مثله ؛ كما قال ابن معين. مات سنة ٦٣ ه.
راجع خلاصة الخزرجي (٣ / ٢١) ، سير أعلام النبلاء (٤ / ٦٣) رقم (١٧).
(٥) أخرجه مسلم (١٢١ ـ ١٨٨٧) عن مسروق قال : سألنا عبد الله ـ هو ابن مسعود عن هذه الآية ـ : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران : ١٦٩] قال : أما إنا ـ