وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ ..). الآية :
عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : «تنزل عليهم صحف مكتوب فيها من يلحق بهم من الشّهداء ؛ فبذلك يستبشرون» (١).
وقيل : «يستبشرون» لإخوانهم الذين فارقوهم على دينهم وأمرهم ؛ بما قدموا عليه من الكرامة والفضل والنعم ، الذي أعطاهم الله (٢). وقيل : «يستبشرون» ، يعني : يفرحون (بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ) ، يعني : من بعدهم من إخوانهم في الدنيا (٣) : رأوا قتالا ؛ استشهدوا ؛ فلحقوا.
وقيل : (لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ) :
الذين يدخلون في الإسلام من بعدهم.
والاستبشار : هو الفرح أو طلب البشارة ؛ كأنهم طلبوا البشارة لقومهم ؛ ليعلموا بكرامتهم عند الله ومنزلتهم ؛ كقول من قال : (يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ. بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) [يس : ٢٦ ـ ٢٧].
وقيل : إن الحياة على ضربين : حياة الطبيعى ، وحياة العرضيّ ، وكذلك الموت على وجهين : موت الطبيعي ، وموت العرضي ، ثم حياة العرضي على وجوه :
أحدها : حياة الدّين والطاعة ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) [الأنعام : ١٢٢]. وحياة العلم والبصيرة واليقظة ، يسمي العالم حيّا ، والجاهل ميتا. وحياة الزينة والشرف ، على ما سمى الله ـ تعالى ـ الأرض ميتة في حال يبوستها ، وحية : في حال خروج النبات منها بقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها) [فصلت : ٣٩]. وحياة الذكر واللذة ؛ فجائز أن يكون الله ـ تعالى ـ لما أخبر أنهم أحياء عند ربهم أن يكون لهم حياة من أحد الوجوه التي ذكرنا : حياة ذكر ولذة ، أو حياة زينة وشرف ، أو حياة العلم لهم بأهل الدنيا على ما كان لهم قبل ذلك ، أو حياة دين وعبادة ، أو يجري عليهم أعمالهم على ما كان لهم قبل الشهادة ، وإن كانت أجسادهم في الحقيقة ميتة في أحكام الدنيا عند أهل الدّنيا ، وهذا يقوي قولنا في المرتد : إنه إذا لحق
__________________
ـ قد سألنا عن ذلك ، فقال : «أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش ...» الحديث.
(١) أخرجه بنحوه ابن جرير (٧ / ٣٩٧) (٨٢٣١) عن السدي.
(٢) أخرجه بنحوه ابن جرير (٧ / ٣٩٦) (٨٢٢٦) عن قتادة ، وعن ابن جريج (٧ / ٣٩٦) (٨٢٢٧) ، وعن ابن إسحاق (٧ / ٣٩٧) (٨٢٢٩) ، وعن ابن زيد (٧ / ٣٩٧) (٨٢٣٠).
(٣) ينظر : السابق.