وقوله ـ عزوجل ـ : (فَزادَهُمْ إِيماناً) :
لما وجدوا الأمر على ما قال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ووعد لهم ، لا على ما قال أولئك ؛ فزادهم ذلك إيمانا ، أي : تصديقا.
زادهم : قيل : جراءة وقوة وصلابة على ما كانوا من قبل في الحرب والقتال ، ويحتمل : زادهم ذلك في إيمانهم قوة وصلابة وتصديقا.
وقيل : قوله ـ عزوجل ـ : (فَزادَهُمْ إِيماناً) أي : تصديقا ويقينا بجرأتهم على عدوهم ، ويقينهم بربهم ، واستجابتهم لنبيهم صلىاللهعليهوسلم (١).
فإن قال قائل : ما معنى قوله ـ سبحانه وتعالى ـ : (فَزادَهُمْ إِيماناً) على أثر قوله ـ عزوجل ـ : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً) وقول ذلك قول لا يحتمل أن يزيد الإيمان ، وليس كقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) [الأنفال : ٢] ؛ لأنها حجج ، والحجج تزيد التصديق ، أو تحدث ، أو تدعوا إلى الثبات على ذلك ؛ فيزيد الإيمان ؛ فقولهم (٢) : اخشوهم ، كيف يزيد؟ قيل : يخرج ذلك ـ والله أعلم ـ على وجوه :
أحدها : أنهم إذا علموا أنهم أهل النفاق ، وأنهم يخوفون بذلك ، وقد كان وعدهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بصنيعهم ، فكذبوهم بذلك ، وأقبلوا نحو أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم إجابة لأمره ؛ وتصديقا بوعده ، ومجانبة لاغترارهم بأخبار أعدائه والنزول على قولهم ؛ فكان ذلك منهم ـ عند ذلك ـ زائدا في إيمانهم مع ما في تكذيبهم ؛ ذلك نحو قوله ـ عزوجل ـ : (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ..). [التوبة : ١٢٥] الآية : إنه إذا زاد بتكذيب آيات الله رجسا ؛ فمثله تكذيب المكذب بالآيات ؛ لذلك يزيد إيمانا ، والله أعلم.
والثاني : أن يكون رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخبرهم بتفرق أعداء الله ، وتشتت أمرهم ، وأخبرهم المنافقون بالاجتماع ؛ فصاروا إلى ما نعتهم به رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ فوجدوا الأمر على ما قال [رسول الله صلىاللهعليهوسلم](٣) ، وذلك من أنباء الغيب ، [والإنباء عن الغيب](٤) من أعظم آيات النبوة ؛ فزادهم ذلك إيمانا ، والله أعلم ، وذلك ، قوله ـ عزوجل ـ : (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ ..). الآية.
والثالث : لم لما يغتروا بقول المنافقين ، ولا قصدوا لذلك ، ولا ضعفوا ؛ فأنزل الله ـ
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط لأبي حبان (٣ / ١٢١ ، ١٢٢).
(٢) في ب : فقوله.
(٣) ما بين المعقوفين سقط من ب.
(٤) بدل ما بين المعقوفين في ب : وأنباء الغيب.