فيها. ولو لم يكن شرطا فى ذلك لكان قوله : (وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ) كافيا إذ لم يكونوا فى المساجد وقت لحوق النهى للمباشرة. والله أعلم.
وفيه دليل أن الاعتكاف لا يكون إلا فى المسجد (١) ، حيث خص المساجد دون غيرها من الأمكنة.
وفيه دليل أن المعتكف قد يخرج من معتكفه (٢) ، لكنه لا يخرج إلا لما لا بد
__________________
(١) أجمع الفقهاء على أنه لا يصح اعتكاف الرجل والخنثى إلا فى مسجد ؛ لقوله تعالى : ( وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ ) وللاتباع ؛ لأن النبى صلىاللهعليهوسلم لم يعتكف إلا فى المسجد. واتفقوا على أن المساجد الثلاثة أفضل من غيرها ، والمسجد الحرام أفضل ، ثم المسجد النبوى ، ثم المسجد الأقصى. واتفقوا على أن المسجد الجامع يصح فيه الاعتكاف ، وهو أولى من غيره بعد المساجد الثلاثة ، ويجب الاعتكاف فيه إذا نذر الاعتكاف مدة تصادفه فيها صلاة الجمعة ؛ لئلا يحتاج إلى الخروج وقت صلاة الجمعة ، إلا إذا اشترط الخروج لها عند الشافعية.
ثم اختلفوا فى المساجد الأخرى التى يصح فيها الاعتكاف : فذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه لا يصح الاعتكاف إلا فى مسجد جماعة. وعن أبى حنيفة : أنه لا يصح الاعتكاف إلا فى مسجد تقام فيه الصلوات الخمس ؛ لأن الاعتكاف عبادة انتظار الصلاة ، فيختص بمكان يصلى فيه ، وصححه بعضهم. وقال أبو يوسف ومحمد : يصح فى كل مسجد. وصححه السروجى. وعن أبى يوسف : أنه فرق بين الاعتكاف الواجب والمسنون ، فاشترط للاعتكاف الواجب مسجد الجماعة ، وأما النفل فيجوز فى أى مسجد كان. ويعنى الحنفية بمسجد الجماعة : ما له إمام ومؤذن ، أديت فيه الصلوات الخمس أو لا. واشترط الحنابلة لصحة الاعتكاف فى المسجد أن تقام الجماعة فى زمن الاعتكاف الذى هو فيه ، ولا يضر عدم إقامتها فى الوقت الذى لا يعتكف فيه ، وخرج من ذلك المرأة والمعذور والصبى ومن هو فى قرية لا يصلى فيها غيره ؛ لأن الممنوع ترك الجماعة الواجبة ، وهى منتفية هنا. والمذهب عند المالكية والشافعية أنه يصح الاعتكاف فى أى مسجد كان.
ينظر : ابن عابدين (٢ / ٤٤١) ، حاشية العدوى (١ / ٤١٠) ، المجموع (٦ / ٤٨٣) ، مغنى المحتاج (١ / ٤٥٠).
(٢) اتفق الفقهاء على أن الخروج من المسجد للرجل والمرأة ـ وكذلك خروج المرأة من مسجد بيتها عند الحنفية ـ إذا كان لغير حاجة فإنه يفسد الاعتكاف الواجب ، وألحق المالكية وأبو حنيفة ـ فى رواية الحسن عنه ـ بالواجب الاعتكاف المندوب أيضا ، سواء أكان الخروج يسيرا أم كثيرا. أما إذا كان الخروج لحاجة فلا يبطل الاعتكاف فى قولهم جميعا إلا أنهم اختلفوا فى الحاجة التى لا تقطع الاعتكاف ولا تفسده على النحو التالى :
أ ـ الخروج لقضاء الحاجة والوضوء والغسل الواجب :
اتفق الفقهاء على أنه لا يضر الخروج لقضاء الحاجة والغسل الذى وجب مما لا يفسد الاعتكاف ، لكن إن طال مكثه بعد ذلك فسد اعتكافه. قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن للمعتكف أن يخرج من معتكفه للغائط والبول ؛ لأن هذا مما لا بد منه ، ولا يمكن فعله فى المسجد ، فلو بطل الاعتكاف بخروجه له لم يصح لأحد الاعتكاف ، ولأن النبى صلىاللهعليهوسلم كان يعتكف ، وقد علمنا أنه كان يخرج لحاجته. وروت عائشة أن النبى صلىاللهعليهوسلم كان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفا ، وله الغسل والوضوء والاغتسال فى المسجد إذا لم يلوث المسجد عند ـ