(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) : وعيد منه ـ عزوجل ـ إياهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) : قيل : لما نزلت : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً ..). الآية [البقرة : ٢٤٥] ، قالت اليهود : ربكم يستقرض منكم ونحن أغنياء (١). وليس في الآية بيان أن ذلك القول إنما قاله اليهود أو غيرهم من الكفرة ، ولكن فيه أنهم قالوا ذلك ؛ فلا ندري من قال ذلك ، ولا يجوز أن يشار إلى أحد بعينه إلا ببيان ، ثم يحتمل ذلك القول منهم وجوها :
يحتمل أن يكون قال ذلك أوائلهم ؛ على ما قال في قتل الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ وهؤلاء لم يقتلوا ؛ ولكن إنما قتلهم أوائلهم ، أضيف ذلك إليهم ؛ رضاء منهم بصنيعهم ؛ فعلى ذلك القول الذي قالوا يحتمل ما ذكرنا.
ويحتمل أن يكون هؤلاء قالوا ذلك بحضرة أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبمشهدهم ، أو قالوا ذلك في سر.
فإن قال ذلك أوائلهم ؛ فإنه يحتمل وجهين :
يحتمل أن يكون الله ـ تعالى ـ أعلم ذلك رسوله صلىاللهعليهوسلم ؛ تصبيرا منه إياه وتسكينا ؛ ليصبر على أذى الكفار ؛ حيث قالوا في الله ما قالوا فكيف فيه؟! [والله أعلم
ويحتمل أن يكون ذلك ليكون [ذلك](٢) آية من آيات رسالته.
وإن كانوا قالوا ذلك بحضرة أصحابه صلىاللهعليهوسلم ؛ ففيه ـ أيضا ـ وجهان :
أحدهما : ما ذكرنا من التسكين والتصبير على أذاهم.
والثاني : ليعلموا أن جميع ما يقولون محفوظ عليهم ، ليس بغائب عنه ، ولا غافل عنه ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ ..). الآية [إبراهيم : ٤٢] ، لكنه يؤخر ذلك إلى وقت.
وإن كانوا قالوا ذلك سرّا ؛ ففيه ـ أيضا ـ وجهان :
أحدهما : ما ذكرنا أن يكون آية من آيات النبوة (٣) ؛ ليعلموا أنه إنما علم ذلك بالله ، على علم منهم أنه لم يكن فيما بينهم من ينهي الخبر إليه.
والثاني : خرج على التعزية له والتصبير على أذاهم.
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٧ / ٤٤٣ ، ٤٤٤) (٨٣٠٠ ، ٨٣٠١) عن ابن عباس ، و (٨٣٠٥) ، (٨٣٠٦) عن الحسن البصري وعن قتادة (٨٣٠٧) ، (٨٣٠٨) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ١٨٦ ، ١٨٧) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن ابن عباس ، وابن المنذر عن قتادة.
(٢) سقط من ب.
(٣) في ب : رسالته.