فإن قيل : ما الحكمة في قوله : (وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ) والأنبياء ـ عليهمالسلام ـ لا يرتكبون ما يجب به قتلهم ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ ..). الآية [الأحزاب : ٥٧] ، أطلق القول فيه من غير ذكر اكتساب شيء يستوجب (١) به ذلك ، وشرط في المؤمنين اكتساب ما يستوجبون به ؛ كقوله : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا ..). الآية [الأحزاب : ٥٨] ، فكيف ذكر هاهنا ـ القتل بغير حق ، وهم لا يكتسبون [ما](٢) يستوجبون به القتل؟! قيل : يحتمل قوله : بغير حق ، أي : بغير حاجة ؛ لأنهم كانوا يقتلون بلا منفعة تكون لهم في قتلهم ؛ على ما قيل : إنهم كانوا يقتلون كذا كذا نبيّا ، ثم يهيج لهم سوق (٣) ؛ فإذا كان كذلك يحتمل قوله : (بِغَيْرِ حَقٍّ) ، أي : بغير حاجة ؛ كقول لوط ـ عليهالسلام ـ : (هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) فقالوا : (ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍ) [هود ٧٨ ـ ٧٩] ، أي : من حاجة ، والله أعلم.
ويحتمل قوله ـ عزوجل ـ : (وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ) أي : قصدوا قصد قتل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ فكأن قد قتلوه ، أو قتلوا أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ فأضيف إليهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) :
أي : المحرق ، وقد ذكرنا هذا.
وقوله : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) :
ذكر الأيدي ؛ لما بالأيدي يقدم ، وإن لم يكن هذا مقدما باليد في الحقيقة ؛ وكذلك (فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى : ٣٠] لما باليد يكتسب ، والله أعلم.
__________________
ـ وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم عن العلاء بن بدر ، وقال القرطبي : أي : ونكتب قتلهم الأنبياء ، أي : رضاؤهم بالقتل ، والمراد : قتل أسلافهم الأنبياء ؛ لكن لما رضوا بذلك صحت الإضافة إليهم.
وحسن رجل عند الشعبي قتل عثمان ـ رضي الله عنه ـ فقال له الشعبي : شركت في دمه. فجعل الرضا بالقتل قتلا ، رضي الله عنه.
(١) في ب : فيستوجب.
(٢) سقط من ب.
(٣) وقيل : إن قتلهم الأنبياء كان بغير حق في اعتقادهم أيضا ؛ فهو أبلغ في التشنيع عليهم. قاله القاسمي في محاسن التأويل (٤ / ٧٣).
وقد جاء الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن بني إسرائيل قتلت ثلاثة وأربعين نبيّا من أول النهار في ساعة واحدة ؛ فقام مائة رجل واثنا عشر رجلا من عباد بني إسرائيل ، فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر ، فقتلوا جميعا من آخر النهار في ذلك اليوم.
أخرجه الطبري (٦٧٧٧) ، والبزار كما في مجمع الزوائد (٧ / ٢٧٢) وفيه ممن لم أعرفه اثنان ، قاله الهيثمي.