الإيمان مما لا يحتمل الثنيا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا) :
قيل : قولهم : (فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا): التي كانت فيما مضى من عمرنا ، (وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا) أي : اعصمنا فيما بقى من عمرنا ، أو : وفقنا للحسنات التي تكفر سيئاتنا ؛ لما قد يلزم العبد التكفير لما أساء.
وقيل : المغفرة والتكفير كلاهما سواء ؛ لأن المغفرة هي الستر ، وكذلك التكفير ؛ ولذلك سمّى الحراثون : كفارا ؛ لسترهم البذر في الأرض ؛ وكذلك الكافر سمى كافرا ؛ لستره الحق بالباطل ، ولستره جميع ما أنعم الله عليه بتوجيه الشكر إلى غيره ، والله أعلم (١).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ) :
يحتمل قوله : (وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ) ، أي : توفنا واجعلنا مع الأبرار. ويحتمل : وتوفنا من الأبرار وفي الأبرار.
ثم اختلف في البرّ : قيل : هو الذي لا يؤذى أحدا (٢) ، وقيل : الأبرار : الأخيار.
ويحتمل : توفنا على ما عليه توفيت الأبرار ، وتوفنا وإنّا أبرار. والبر : الطاعة ، والتقوى : ترك المعصية.
وقوله ـ عزوجل ـ : (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) :
قيل فيه بوجهين :
قيل : وآتنا ما وعدتنا على ألسن رسلك ، على إضمار «ألسن» كقوله ـ عزوجل ـ : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً) [الأحزاب : ٤٧]
وقيل : (ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) ، أي : ما جعلت عليهم من الاستغفار للمؤمنين (٣) ؛ كقوله : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) [محمد : ١٩] ، وكقول إبراهيم ـ عليهالسلام ـ : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ) [إبراهيم : ٤١] ، وكقول نوح ـ عليهالسلام ـ : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) [نوح : ٢٨].
ثم بيننا وبين المعتزلة كلام في الآية : قالت المعتزلة : يجوز الدعاء والسؤال عنه بما قد أعطى ، وما عليه أن يعطي نحو ما ذكر من السؤال بما وعد ، وما وعد لا شك أنه يعطي ،
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي (٩ / ١١٧) ، واللباب في علوم الكتاب (٦ / ١٢١).
(٢) قاله الحسن : أخرجه عنه ابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (٢ / ٢٩٩).
(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي (٩ / ١٢٠).