والثالث : ما أخر عنهم العذاب والهلاك إلى وقت.
يقول : لا يغرنك يا محمد ذلك ؛ إنما هو متاع يسير ، [و] مصيرهم إلى النار ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ ..). الآية [التوبة : ٥٥] ؛ وكقوله : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً ..). الآية [آل عمران : ١٧٨].
قال : وليس الاغترار في نفس التقلب ؛ لأنه جهد ومشقة ؛ ولكن لما فيه من الأمن والسعة والقوة ؛ دليله قوله ـ تعالى ـ : (مَتاعٌ قَلِيلٌ) ثم قال : (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ) ، وسعيهم للآخرة متاع لا ينقطع.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ)
يعني : الشرك (١)
(لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ..). إلى آخر ما ذكر (ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ).
يحتمل أن يكون الأمر ما ذكر في بعض القصّة : أن بعض المؤمنين قالوا : إن الكفار في خصب ورخاء ، ونحن في جهد وشدة ؛ فنزل : لا يغرنك تقلبهم في ذلك ؛ إنما هو متاع قليل ، وذلك ثوابهم في الدنيا ، وأما ثواب الذين اتقوا ربهم جنات تجرى من تحتها الأنهار ... إلى آخر ما ذكر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ)
يعني : القرآن.
(وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ)
يعني : التوراة.
ثم اختلف في نزوله : قال بعضهم : نزل في شأن عبد الله بن سلام وأصحابه : أقرّوا بأنه واحد لا شريك له ، وصدقوا رسوله صلىاللهعليهوسلم وما أنزل عليه ... الآية (٢).
وقيل : نزل في شأن النجاشي (٣) ، وروي عن جابر بن عبد الله (٤) ـ رضي الله عنه ـ أن
__________________
(١) في ب : الشركة.
(٢) قاله مجاهد : أخرجه عنه الطبري (٧ / ٤٩٩) (٨٣٨٤) ، وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (٢ / ٢٠٠). وقال الطبري : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله مجاهد.
وقاله الحسن : أخرجه عنه ابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (٢ / ٢٠٠).
(٣) النجاشي ملك الحبشة هو أصحمة الحبشي ، ملك عادل أسلم ، ولم ير النبي صلىاللهعليهوسلم ولما مات نعاه النبي صلىاللهعليهوسلم لأصحابه ، وصلى عليه صلاة الغائب ، ويعد من الصحابة. ينظر : سير أعلام النبلاء (١ / ٤٢٨) رقم (٨٥).
(٤) جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام ، الصحابي المشهور ، روى عن النبي صلىاللهعليهوسلم أحاديث كثيرة. مات ـ