ثم منهم من جعل لهم القتال (١) فى الحرم وفى أشهر الحج بظاهر هذه الآية.
ومنهم من قال : لا يقتل فيهما جميعا.
وقال أصحابنا ـ رحمهمالله تعالى : يقتل فى الشهر الحرام (٢) ، ولا يقتل فى الحرم إلا أن يبدأهم بالقتال ، فحينئذ يقتلهم.
وكذلك يقولون فيمن قتل آخر ثم التجأ إلى الحرم : لم يقتل فيه ، ولكن لا يؤاكل ولا يشارب ولا يجالس حتى يضطر فيخرج ، فيقتل.
وإذا قتل فى الحرم يقتل. فعلى ذلك لا يقاتل فى الحرم إلا أن يبدأهم بالقتال ، فعند ذلك يحل القتل.
وإنما لم يحل القتال فى الحرم إلا أن يبدءوهم به ، وإن كان ظاهر قوله : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) يبيح القتل فى الأمكنة كلها ، بقوله : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ) استثنى الحرم دون غيره من الأماكن.
وأما قوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) [البقرة : ٢١٧] ظاهر هذه الآية يحرم القتال فى أشهر الحج ، لكن فيه دليل حل القتال بقوله : (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) [البقرة : ٢١٧] ، يعنى بالفتنة الشرك ، جعل القتل فيه كبيرا ، ثم أخبر أن الشرك فيه أكبر وأعظم من القتل.
فالأصل عندنا : أن الابتلاء إذا كان من وجهين يختار الأيسر منهما والأخف ؛ فلذلك قلنا : إنه يختار القتل فى الحرم على بقاء الفتنة ـ وهو الشرك ـ إذ هو أكبر وأعظم. والله أعلم.
وقوله : (وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ).
يحتمل : (وَأَخْرِجُوهُمْ) من مكة كما (أَخْرَجُوكُمْ) عام الحديبية.
ويحتمل : أن أمرهم بأن يضيقوا عليهم ويضطروهم إلى الخروج كما فعل أهل مكة بهم.
ويحتمل : الإخراج على ما جاء : «ألا لا يحجن مشرك بعد عامى هذا» (٣).
__________________
(١) فى ب : المقتل.
(٢) فى ب : أشهر الحرم.
(٣) أخرجه البخارى (٤ / ٢٨٧) كتاب الحج باب لا يطوف بالبيت عريان (١٦٢٢) ومسلم (٢ / ٩٨٢) كتاب الحج باب لا يحج البيت مشرك (٤٣٥ / ١٣٤٧) وأبو داود (١ / ٥٩٩) كتاب المناسك باب يوم الحج الأكبر (١٩٤٦) والنسائى (٥ / ٢٣٤) كتاب المناسك باب قوله عزوجل (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) من طريق حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة أخبره أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه بعثه ـ