ويحتمل : أن يمنعوهم عن الدخول فيه ؛ كقوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) [التوبة : ٢٨] ، وكقوله : (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) [البقرة : ٢٥٧] ، المنع عن الشرك إخراجا.
وقوله : (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ).
أى : الشرك أعظم جرما عند الله من القتل فيه.
وقوله : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ)
كما ذكرنا أن هذا وقوله : (وَاقْتُلُوهُمْ) ، كله يخرج على المجازاة لهم.
وفيه لغة أخرى : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ).
فإذا قتلونا لا سبيل لنا أن نقتلهم ، فما معنى هذا؟
قيل : يحتمل قوله : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ) أى : إذا قتلوا واحدا منكم فحينئذ تقتلونهم ، أو لا تقتلوهم حتى يبدءوا هم بالقتل (١) ، أو أن يقول : لا تقتلوهم حتى يقتلوا بعضكم ، فإذا فعلوا ذلك فحينئذ تقتلونهم. والله أعلم.
وقوله : (كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ).
أى هكذا جزاء من لم يقبل نعم الله ، ولم يستقبلها بالشكر.
ويحتمل : كذلك جزاء من بدأ بالقتال فى الحرم أن يقتل.
وقوله : (فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
يحتمل وجهين :
يحتمل : (فَإِنِ انْتَهَوْا) عن الشرك ، وأسلموا يتغمدهم الله برحمته.
ويحتمل : (فَإِنِ انْتَهَوْا) عن بدء القتال ، وأسلموا ، فإن الله يرحمهم ويغفر ذنوبهم.
وقوله : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ).
أنه أمرنا بالقتال مع الكفرة ليسلموا.
فإن قيل : أيش الحكمة فى قتل الكفرة ، وهو فى الظاهر غير مستحسن فى العقل؟
قيل : إنا نقاتلهم ليسلموا ، ولا نقتلهم إلا أن يأبوا الإسلام ، فإذا أبوا ذلك ثم لم نقتلهم لا يسلمون أبدا ؛ لذلك قتلناهم ، إذ فى القتل ذهاب الفتنة.
ويحتمل : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) على وجه الأرض ، أى تطهر من الشرك.
__________________
ـ فى الحجة التى أمره عليها رسول الله قبل حجة الوداع يوم النحر فى رهط يؤذن فى الناس : «ألا لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان».
(١) فى ط : يبدأهم بقتلكم.