وقال قوم : (وَالْفِتْنَةُ) هاهنا العذاب ، أى : قاتلوا حتى لا يقدروا عليه كفار.
وقوله : (وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ).
أى : ليكون (الدِّينُ) دين الله فى الأرض لا الشرك. و (الدِّينُ) : الحكم.
وقوله : (فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ).
فإن قيل : فإذا صار الدين كله لله ، فلا ظالم هنالك ، فما معنى هذا الكلام؟
قيل : يحتمل : أن لا عدوان إلا على الظالم الذى أحدث الظلم من بعد.
ويحتمل : أن لا عدوان إلا على من بقى منهم مع الظلم.
فإن قيل : فلم سمى عدوانا ، والعدوان هو ما لا يحل؟
قيل : لأنه جزاء العدوان ، وإن لم يكن هو فى الحقيقة عدوانا ، فسمى باسمه كما سمى جزاء السيئة سيئة وإن لم يكن هو سيئة فى الحقيقة ؛ كقوله : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠] ، وكما سمى جزاء الاعتداء اعتداء وإن لم يكن هو فى الحقيقة اعتداء ؛ فكذلك الأول.
وقوله : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ).
قيل (١) : خرج النبى صلىاللهعليهوسلم فى الشهر الحرام يريد مكة فصده المشركون عن دخولها ، فجاء من عام قابل فى الشهر الحرام فدخلها وأقام ثلاثا ، وقضى عمرته التى فاتته فى العام الأول ، فسميت عمرة القضاء ، فذلك تأويل قوله : (وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) هذه الثانية صارت قصاصا بالأول.
وقيل : إن [فى] الجاهلية كانوا يعظمون الشهر الحرام ، ولا يقاتلون فيه ، فلما أن ظهر الإسلام عظمه أهل الإسلام أيضا ، ولم يقاتلوا فيه ، حتى جعل الكفار يغيرون على أهل الإسلام ويستنصرون عليهم ، حتى نسخ ذلك وأمروا بالقتال فيه بقوله : (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا) [البقرة : ٢١٧] ، كأنه قال : ما هتكتم من حرمة الشهر قصاص لما هتكوا.
وقوله : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ).
قد ذكرنا هذا فيما تقدم.
وقوله : (وَاتَّقُوا اللهَ).
يحتمل : (وَاتَّقُوا) مخالفة الله.
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٣١٣٦ ، ٣١٤٤) ، وعن قتادة (٣١٣٩) ، ومقسم (٣١٤٠) ، وغيرهم. وانظر الدر المنثور (١ / ٣٧٢ ـ ٣٧٣).