وعن عائشة ، رضى الله تعالى عنها ، قالت : «قلت : يا رسول الله ، أكل أهلك يرجع بحجة وعمرة غيرى؟ قال : انفرى فإنه يكفيك» (١). إلى هذه الأخبار ذهب أصحابنا.
والأصل : احتج أصحابنا أيضا بشيء من النظر ؛ وذلك أن الله تعالى فرض الصلاة والزكاة والصيام فى أوقات خصها بها ، وأجمع أهل العلم أن المتطوع بالصدقة والصلاة والصيام يفعل ذلك متى شاء ، ثم أجمعوا أن العمرة لا وقت لها ؛ فدل ذلك على أنها تطوع ؛ إذ لو كانت فريضة كان لها وقت مخصوص يفعل فيه كغيرها من الفرائض.
فإن قيل : إن الحج التطوع مخصوص بوقت كمخصوص المفروض منه ، فكما لا يدل الخصوص الذى فى الحج التطوع على وجوبه ، فكذلك العموم الذى فى العمرة لا يدل أنها تطوع
قيل : وجدنا الفرض كله مخصوصا بوقت ، ووجدنا التطوع على ضربين : منه ما هو مخصوص ؛ كالحج ، ومنه ما هو غير مخصوص ؛ كالصلاة والصيام والصدقة. فلما لم نجد فى الفرض ما ليس بمخصوص بوقت ، [جعلنا كل ما ليس بمخصوص بوقت تطوعا](٢) غير فرض.
واحتجوا أيضا : بأنا وجدنا العمرة تفعل فى أشهر الحج ، ولم نجد صلاتين تفعلان فى وقت واحد فريضتين ، ولكن تفعل الصلاة التطوع فى وقت الفريضة ؛ فثبت لما جاز أن يجمع بين فعل الحج والعمرة فى وقت واحد أنها تطوع ؛ كالصلاة التى تفعل فى وقت الظهر وغيرها.
واحتج من جعلها فرضا بأن قال : لم نجد شيئا يتطوع به إلا وله أصل فى الفرض (٣) ، فلو كانت العمرة تطوعا لكان لها أصل فى الفرض.
قيل : العمرة إنما هى الطواف والسعى ، ولذلك أصل فى الفرض ـ فرض الحج ـ مع ما أنا وجدنا الاعتكاف تطوعا ، وليس له أصل فى الفرض. فعلى ذلك العمرة.
والأصل : أن كل ما يبتدئ الله إيجابه على عباده فإنه يوجب فعلها بأوقات أو يجعل لأدائها أوقات ، والعمرة ليس لوجوبها وقت ، ولا لأدائها. ثبت أنها ليست مما أوجبها الله تعالى.
وقوله : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ).
قوله : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) الآية على الإضمار ، كأنه قال ـ والله أعلم ـ :
__________________
(١) أخرجه الطحاوى فى شرح معانى الآثار (٢ / ٢٠١).
(٢) سقط فى ط.
(٣) فى ب : القرآن.