ذكر العمرة بقوله : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) ، وروى فى الخبر ، يرويه ابن عمر ، رضى الله تعالى عنه ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم خرج معتمرا ، فحال كفار قريش بينه وبين البيت الشريف ، فنحر هديه ، وحلق رأسه بالحديبية (١) ، وقوله : (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) ، فيه دلالة أن المحصر يبقى حراما على حاله ، لا يحل حتى ينحر عنه الهدى.
واختلف أهل العلم : أين يذبح الهدى؟
فعندنا : أنه لا يجوز أن يذبح إلا فى الحرم ؛ روى عن ابن مسعود (٢) ـ رضى الله تعالى عنه ـ أنه قال : «يبعث بهدى ويواعدهم يوما ، فإذا نحر عنه حل». وعن ابن عباس (٣) ، رضى الله تعالى عنهما ، مثل ذلك. وعن ابن الزبير (٤) وعروة ابن الزبير ـ رضى الله تعالى عنهما ـ : أن المحصر يبعث بالهدى فإذا نحر عنه حلق.
وظاهر القرآن يدل على ما روى عن هؤلاء ؛ لأن الله تعالى قال : (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) ، فجعل للهدى محلّا يبلغه ، وبين موضع محله فقال : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) [المائدة : ٩٥] ، وكانت الكعبة محلّا لجزاء الصيد والدم المحصر.
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ : المحل : اسم الموضع الذى يحل فيه. ولو كان كل موضع له محلّا لم يكن لذكر المحل فائدة.
واحتج من خالف أصحابنا رحمهمالله بما روى أن النبى صلىاللهعليهوسلم ذبح الهدى يوم الحديبية ثم قال : ولم يبلغنا أنه نحره فى الحرم. قيل روى أنه نحر هديه يوم الحديبية فى الحرم ، يرويه مروان بن الحكم.
وعن ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ قال : نزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم الحديبية فحال المشركون بينه وبين دخول مكة ، وجاء سهيل بن عمرو يعرض عليهم الصلح فصالحهم رسول الله
__________________
(١) أخرجه البخارى (٤ / ٤٦٨ ـ ٤٦٩) كتاب المحصر باب إذا أحصر المعتمر (١٨٠٦ ، ١٨٠٩) ، وابن جرير (٣٣٢١).
(٢) أخرجه ابن جرير من (٣٢٩٩) إلى (٣٣٠٤).
(٣) أخرجه ابن جرير (٣٣٠٥ ، ٣٣٠٦ ، ٣٣١١).
(٤) هو : عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدى أبو خبيب ـ بمعجمة مضمومة ـ المكى ثم المدنى ، أول مولود فى الإسلام وفارس قريش. له ثلاثة وثلاثون حديثا ، اتفقا على حديث ، وانفرد البخارى بستة ، وانفرد مسلم بحديثين. وعنه ابناه عباد وعامر ، وأخوه عروة وعطاء وطاوس. شهد اليرموك وبويع بعد موت يزيد ، وغلب على اليمن والحجاز والعراق وخراسان ، وكان فصيحا شريفا شجاعا لسنا أطلس. قتل بمكة سنة ثلاث وسبعين ، ومولده بعد الهجرة بعشرين شهرا ، ينظر الخلاصة (٢ / ٥٦) (٣٤٩٦).