ذكرنا.
ثم قوله : (بِمِثْلِهِ) يحتمل ما ذكرنا ؛ أي : بالذي رفع وذهب به ؛ على التأويل الذي جعلناه صلة قوله : (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) ، (لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ) الذي (١) ذهب به ورفع (لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) ، أي : لا يقدرون على إتيانه.
وإن كان على الابتداء ، فهو على المثل ؛ أي : لا يقدرون على أن يأتوا بمثله ، على ما لم يقدروا عليه بعد ما قرع سمعهم هذا فلو كان في وسعهم هذا لفعلوا ؛ ليخرج قولهم صدقا وقول الرسول كذبا ، فإذ لم يفعلوا ذلك ، ولم يتكلفوا ؛ دل أنهم عرفوا أن ذلك من الله وأنه آية معجزة خارجة عن وسعهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا).
أي : بيّنا ، وتحتمل ضربنا ، وتحتمل فرقنا للناس :
(مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) ، أي : ذكرنا للناس مثلا على أثر مثل ، ومثلا بعد مثل ما لو تفكروا فيه ، وتأمّلوا لعرفوا صدق رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكذب أنفسهم وسفههم ، ولعرفوا الحق من الباطل والمحق من المبطل ، ولكن لم يتفكروا فيه ولم يتأمّلوا وعاندوا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مِنْ كُلِّ مَثَلٍ).
لا يريد كل الأمثال ، ولكن ما ذكرنا من كل مثل لو تأملوا فيه ، وتفكروا ، لكان لهم معتبرا.
وفي قوله : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) ، يكون ما ذكر من تصريف الأمثال وضربها للناس من وجوه ثلاثة :
أحدها : ضرب المثل لهذه الأمة من شهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وغيره من مكذّبهم ومصدّقهم بالأمم الماضية ما ذا حلّ بهم بالمكذبين منهم رسل الله من نقمته وعذابه ، وقد أخبر أن تلك سنته في المكذبين منهم ، وذكر أن سنته تلك لا تحول ، ولا تبدل ، [وهو قوله : (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) ، و (تَحْوِيلاً) ، فهي لا تبدل ، ولا تحول فكانت لأولئك معجلة ولهذه الأمة مؤخرة](٢) وهي غير محوّلة ولا مبدّلة لواحدة من الأمم.
والثاني : يحتمل تصريف الأمثال هو ما بين لهم ، وذكر ما به صلاح معاشهم ومعادهم ، وصلاح دينهم ودنياهم ما لو تأمّلوا فيه وتفكروا ، أدركوا ذلك.
__________________
(١) في ب : بالذي.
(٢) ما بين المعقوفين سقط في أ.