ليرى](١) أتباعهم وسفلتهم أنهم قد حاجّوا رسول الله ، واعترضوا لحججه وبراهينه لئلا ينظروا إلى حججه وبراهينه ؛ لتبقى لهم الرئاسة والمنافع التي كانت لهم ، ولا يذهب ذلك عنهم.
ثم بين أن أسئلتهم التي سألوها سؤال تعنت عن عناد لا سؤال استرشاد ، وحاجة ـ ما ذكر في قولهم : (أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً).
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ).
دل هذا كله أن سؤالهم إياه كله سؤال معاندة ، لا سؤال استرشاد واستهداء ؛ لأنه لو كانوا يسألون ما يسألون سؤال استرشاد واستهداء ، لكانوا لا يسألون إسقاط السماء عليهم ؛ إذ لا منفعة لهم في ذلك وإن في سؤالهم الجنة منفعة ، يذكر سفه القوم وتعنتهم وسوء معاملتهم رسول الله.
ثم الحكمة والفائدة في جعل سفههم قرآنا يتلى إلى يوم القيامة ؛ ليعرف المتأخرون معاملة السفهاء إذا بلوا بهم أن كيف يعاملونهم [بمثل](٢) معاملة رسول الله؟!
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي) أمره أن [ينزه ربّه عن أن يكون لأحد الاحتكام عليه والحكم ، والذي سألوه احتكام منهم على الله.
وفي قوله : (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً)](٣).
ينزه ربه عن أن يملك سواه ما سألوا من إتيان الجنة وغير ذلك مما ذكر في الآية ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً).
أي : هل كنت إلا بشرا كغيره من الرسل الذين كانوا من قبل من البشر ، فلم يسألوهم بمثل الذي تسألونني أنتم من الأسئلة.
أو إن سألوا ذلك فلم يجابوا ، كقوله : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) [البقرة ١٠٨] ، أو أن يكون قوله : (هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) ، أي : ليس للرسول أن يعترض على المرسل بشيء ، إنما على الرسول تبليغ ما أرسل وأمر بتبليغه.
أو يقول : إني لا أملك مما تسألونني سوى تسبيح ربي وتنزيهه.
وقوله : (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي) أي : تعاظم ربي ، وتعالى عن أن يكون لعباده عليه احتكام
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في ب.