قال بعضهم : هي صلة ما تقدم من أسئلتهم ، وهو قوله : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً. أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً. أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً. أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) [الإسراء : ٩٠ ـ ٩٣].
وقوله : (أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها) [الفرقان : ٨].
كانوا يسألون هذه الأشياء على التعنت والعناد والاستهزاء ، فأخبر أنّه وإن أعطاهم ما سألوا لا ينفقون ، بل يمسكون عن الإنفاق ، ومن سنته : أنه إذا أعطاهم ما سألوا على السؤال ، فتركوا الإيمان به والوفاء ـ : أنهم يهلكون ، فأخبر أنهم يسألون سؤال تعنت ، لا سؤال ما يتوسعون بها.
وفى الآية إثبات الرسالة ؛ وهو ما بين من بخلهم وإمساكهم عن الإنفاق.
وقال بعضهم : قوله : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) في قوم خاص يعلم الله أنهم لو أعطوا ما سألوا لفعلوا ما ذكر ، لا في كل منهم ، وهو كقوله :
(أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ...) الآية [البقرة : ٦] ، وكقوله : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ) الآية [الأنعام : ١١١] ، كان في قوم علم الله أنهم لا يؤمنون فعلى ذلك الأوّل.
ويحتمل أن تكون الآية في قوم ضمنوا آية الإنفاق والتوسيع ، وعاهدوا الله على ذلك إن وسع عليهم ، فأخبر أنهم لا يوفون ما عاهدوه وضمنوا ؛ كقوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) الآية [التوبة : ٧٥].
ويحتمل أن يكون هذا إخبارا منه عن طبع الخلق وعادتهم : وذلك أنهم إذا استكثروا من الأموال وجمعوا يزداد لهم بذلك حرص على جمعها ، وبخل على التوسيع والإنفاق ما لم يكن قبل الجمع والاستكثار ، هذا [هو] المعروف في الناس ، فأخبر أنهم يمسكون عن الإنفاق والتوسيع إذا ملكوا ما ذكر على ما طبع الإنسان بالبخل والتضييق عند الاستكثار ما لم يكن قبل ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً).
يحتمل أن يكون هذا صفة كل كافر ، وكذلك قوله : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) [المعارج : ١٩] و (مَنُوعاً) [المعارج : ٢١] يكون عادتهم البخل والجزع عند المصائب.
وجائز أن يكون هذا صفة كل إنسان في الابتداء هكذا يكون ، ثم بالامتحان والتجربة ، يكونون أسخياء صابرين.
أو يكون يخبر أنهم لو ملكوا وأعطوا جميع ما يرزقون في عمرهم على التفاريق بدفعة واحدة مجموعا ، لأمسكوا عن الإنفاق ؛ خشية الفقر في آخر عمرهم ؛ إذ لا يعلمون إلى ما