الآخرة والبعث (١) رأسا ليسلم لهم الدنيا فذلك الذي حملهم على إنكار الرسل وتكذيبهم إياهم ؛ ألا ترى أنه قال : (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ) [الانعام : ٩٢] أي : بالقرآن أو بمحمّد ، إيمانهم بالبعث حملهم على الإيمان بالقرآن والرسول ، وتكذيبهم الآخرة حملهم على تكذيب الرسل ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ).
قال بعضهم (٢) : إذا غضب الإنسان يدعو على نفسه وولده وأهله ، ويلعن ، كدعائه عليهم بالخير ؛ لذلك انتصب قوله : (دُعاءَهُ).
وقال الحسن (٣) : إن الإنسان يتضايق صدره وقلبه بأدنى شيء يكره ؛ فيلعن على نفسه وأهله ؛ فلا يجيبه الله ، ثم يدعو بالخير ؛ فيعطيه ، أو نحوه من الكلام.
وقوله : (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ) : هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : ويدعو الإنسان بالشرّ على العلم منه بذلك كدعائه بالخير على العلم منه بذلك.
والثاني : يدعو الإنسان بالشر لو أجيب فيه على الجهل منه والغفلة ، كدعائه بالخير لو أجيب في ذلك. ثم إن كان ذلك الإنسان هو الكافر فهو يدعو على الاستهزاء ؛ كقوله : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) الآية [الأنفال : ٣٢] ، وكذلك قوله : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) [المعارج : ١] ، ونحوه. وإن كان مسلما فهو يدعو بالشر على نفسه وأهله عند الغضب على علم منه به ، ويدعو أيضا بالشرّ على السهو والغفلة منه ، نحو ما يسأل الأموال والنكاح ، ولعل ذلك شرّ له.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً).
قال بعضهم (٤) : هذا لازم ؛ لأنه لما خلقه الله فنفخ الروح في بعض جسده ـ همّ أن يقوم ؛ فسمّاه عجولا ، لكن كل الإنسان خلق في الطبع من الأصل عجولا ؛ ألا ترى أنه لا يصبر على أمر واحد ولا على شيء واحد ، وإن كان نعمة لم يصبر عليها ؛ ولكن يمل عنها؟! وكذلك في أدنى شدّة وبلاء إذا بلي به لم يصبر عليه ، فأبدا يريد الانتقال من حال إلى حال ؛ ألا ترى أن قوم موسى قد أكرمهم الله بكرامات : من إنزال المنّ والسلوى
__________________
(١) زاد في ب : جميعا.
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٢١١٢) ، وهو قول قتادة ومجاهد.
(٣) أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر وأبي أبي حاتم كما في الدر المنثور (٤ / ٣٠١).
(٤) ينظر : اللباب (١٢ / ٢٢٠).