ويحتمل (آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) : نعمة وسعة ، وهيئ لنا من أمر ديننا صوابا ، يقول (آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً).
وقوله عزوجل : (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً) :
الضرب على الآذان : هو المحو ، محو الأسماع ، ويقال : اضرب على حديث كذا : امحه.
ثم يحتمل محو الأسماع وجهين :
أحدهما : محو الأرواح التي بها تحيا الأنفس ؛ فيكون كناية عن الموت.
أو يكون محو أرواح الأسماع التي تسمع لا الموت ، فلما قال في آية أخرى : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ) [الكهف : ١٨] دل أنه إنما أراد محو أرواح الأسماع ، لا محو الأرواح التي بها حياة الأنفس ، وهو كقوله : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ ...) الآية [الأنعام : ٦٠]. وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ بَعَثْناهُمْ) ، من رقودهم ؛ (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ) أي : لنعلم ما قد علمناه غائبا شاهدا ؛ إذ كان عالما بما يكون منهم ، وتأويله : ما ذكرنا : ليعلم الخلق شاهدا ، كما علم هو غائبا.
أو ليعلم المخطئ منهم من المصيب ، إذ محال وصفه بالعلم بالمخطئ ولا مخطئ ثم ، وبالمصيب ولا مصيب ثمة ، فإذا كان كذلك فيكون قوله : ليعلم المخطئ من المصيب ، والمصيب من المخطئ إذا كان ، وأصله : أنه يعلمه كائنا على ما علم أنه يكون.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً).
يحتمل : (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ) قال بعضهم : مشركيهم ومؤمنيهم.
ومنهم من قال : الملك والفتية.
وقال بعضهم (١) : هم اختلفوا في مكثهم إذ بعثوا.
قال بعضهم : (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ، وقال بعضهم : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) ولكن لسنا ندرى من أي الحزبين ، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة ، سوى أنا ذكرنا قول أهل التأويل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِ) ، الحق في النبأ : الصدق ، والحق في الأحكام : العدل ، وفي الأفعال : الصواب.
وقال بعضهم : الحق ـ هاهنا ـ : هو القرآن ، فيكون قوله (بِالْحَقِ) أي : في الحق ،
__________________
(١) قاله ابن جرير (٨ / ١٨٧) ، والبغوي (٣ / ١٥٢).