ما قال أهل التأويل ، فإنه ليس للجبل يمين ولا شمال.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ) :
قال بعضهم : الفجوة : الظل.
وقال بعضهم (١) : الفجوة : الفضاء.
وقال بعضهم (٢) : هي سعة المكان : يخبر ـ عزوجل ـ عن لطفه ومننه : أنه قد حشرهم إلى غار كانوا يسعون فيه حتى يتقلبوا فيه ، والغار الذي يكون في الجبال لا هكذا يكون ؛ بل يكون ضيقا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ).
هذا يرد قول من ينكر جري الآيات على يدي غير الأنبياء ؛ لأنه جعل في أصحاب الكهف عددا من الآيات : كلها خارجة عن احتمال وسع الخلق وعادتهم ؛ لمفارقتهم قومهم لسلامة دينهم.
أحدها : ما أخبر أنه ضرب على آذانهم ، وأنامهم نوما خارجا عن طبع الخلق وعادتهم ، وهو ثلاثمائة سنة ، ثم بعثهم ليتساءلوا بينهم ، على ما أخبر ، عزوجل.
والثاني : لم تبل ثيابهم في مثل تلك المدة ومثل المكان ، ولم تتغير ؛ ألا ترى أنهم قالوا حين بعثوا : (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ، ولو كانت ثيابهم بالية أو متغيرة ، لم يستقلوا ولا استقصروا كل هذا يوما أو بعض يوم ؛ ألا ترى أنهم فزعوا إلى الطعام ، ولم يفزعوا إلى الثياب ؛ حيث قالوا : (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ) ، ولو كانت ثيابهم بالية أو متغيرة ـ لكان فزعهم إلى الثياب كهو إلى الطعام ، وهو أولي.
والثالث : ما أخبر : من تزاور الشمس إذا طلعت ذات اليمين ، وقرضها إياهم ذات الشمال.
والرابع : دفع الحر والبرد عنهم ؛ إذ من طبعهما الإهلاك والفساد إذا اشتدا وكثرا.
والخامس : ما ذكر من تقليبه إياهم ذات اليمين وذات الشمال ، وحفظه إياهم عن أن تفسدهم الأرض وتأكلهم ؛ إذ من طبع الأرض ذلك عند امتداد الوقت.
والسادس : ما ذكر في الآية من الهول والهيبة إذا دخل عليهم واطلع ؛ حيث قال : (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) : خوفا مما ترى فيهم من الأهوال : هذا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فكيف لمن دونه؟!.
__________________
(١) قاله قتادة أخرجه ابن جرير عنه (٢٢٩٣٩).
(٢) انظر تفسير غريب القرآن (٢٦٤).