أو ذكر فعله ؛ لما له في تقلبهم صنع وفعل ، والله أعلم.
وقوله : (ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ) إذ لا يفهم من ذات الشيء غير ذلك الشيء أو شيء آخر سواه ؛ لأنه ذكر ذات اليمين فهو اليمين والشمال نفسه لا غير ؛ فعلى ذلك في قولنا : عالم بذاته ، لا يفهم غير علمه ، أي : عالم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ).
قال بعضهم (١) : الوصيد : هو فناء الباب.
وقال بعضهم (٢) : الوصيد : هو عتبة الباب.
قال القتبي (٣) : الوصيد : الفناء ، ويقال : عتبة الباب ، وهذا أعجب إلىّ ؛ لأنهم يقولون : أوصد بابك ، أي : أغلقه. ومنها (إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ) أي مطبقة ، وأصله : أن تلصق الباب إلى العتبة إذا أغلقته.
فإن كان الوصيد هو عتبة الباب ، ففيه أن الكلب كان داخل باب الغار ، وإن كان الفناء ففيه أنه كان خارج باب الغار ، وفيه أيضا [أنه] أبقى الكلب ثلاثمائة سنة على ما أبقاهم ، وإن لم يكن من جوهرهم بلطفه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً).
قال بعض أهل التأويل (٤) : وذلك أن شعورهم قد طالت وأظفارهم قد امتدت وعظمت ، فكانوا بحال يرغب عنهم ويهاب (٥).
لكن هذا لا يحتمل ؛ لأنهم قالوا : (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) فلو كانوا على الحال التي ذكروا من تطاول الشعور وامتداد الأظفار وتغير أحوالهم ، لم يكونوا ليقولوا : (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ؛ إذ لو نظروا في أنفسهم من تغير الأحوال ، لعرفوا أنهم لم يلبثوا ما ذكروا من الوقت ؛ دل ذلك أن ذلك الخوف والهيبة لا لذلك.
وقال بعضهم : لأنهم كانوا في مكان الريبة فيما لا يؤوى إلى مثله إلا لخوف ريبة أو طلب ريبة لا يأويه إلا لهذين : هارب من شر ، أو طالب شر على آخر ؛ على ما ذكرنا : أن من أقام في مهاب ومكان مخوف يهاب منه ويخاف.
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٢٩٤٥) وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٩١). وهو قول سعيد بن جبير ومجاهد وقتادة والضحاك.
(٢) قاله عطاء ، كما في تفسير البغوي (٣ / ١٥٤).
(٣) انظر : تفسير غريب القرآن (٢٦٤)
(٤) قاله الكلبي ، كما في تفسير البغوي (٣ / ١٥٥).
(٥) ينظر : اللباب (١٢ / ٤٤٨).