أو أن يكونوا بحيث يهابون ويخاف منهم لئلا يدنو منهم أحد ، ولا يقرب ، فلا يوقظهم أحد ، ليبقوا إلى المدة التي أراد الله أن يبقوا فيه ؛ ولذلك يحتمل هذا المعنى في تقليب اليمين والشمال ؛ فجائز أن يكون قوله : (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) ذلك الخوف وتلك الهيبة : هيبة الدين ، على ما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «نصرت بالرعب مسيرة شهرين» (١) ، وذلك لدينه ولحقيقة أمره ؛ فعلى ذلك جائز أن يكون ما ذكر من هيبة أحوالهم لدينهم الذي اختاروا من بين قومهم وفارقوهم ؛ ليسلم دينهم إلى مكان لا طعام فيه ولا شراب ؛ وذلك لحقيقة ما اختاروا من الدين ، كان ذلك لمعنى لم يطلع الله رسوله على ذلك ؛ فلا نفسر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ) أي : كما أنبأكم من أنبائهم وقصصهم أو كما ضرب على آذانهم وأنامهم سنين كذلك يبعثهم.
وقوله : (وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ) بعثهم ؛ لما علم ما يكون منهم ، وهو التساؤل ، وهكذا جميع ما يخلق وينشئ ، إنما يخلق وينشئ ؛ لما يعلم أنه يكون منهم ؛ كقوله : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً ...) الآية [الأعراف : ١٧٩] ذرأهم ؛ لما علم أنه يكون منهم ، وهو عمل أهل جهنم ، وكذلك قوله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦] من علم أنه يعبده ويعمل له عمل أهل الجنة خلقه لذلك ، هكذا كل ما يخلق ، لما يعلم أنه يكون منه ؛ إذ يخرج الفعل لذلك مخرج العجز والجهل بالعواقب ، فإذا كان الله عالما بما كان ويكون ، ويتعالى عن أن يكون فعله عبثا ـ لم يجز أن يخلق شيئا لغير ما علم أنه يكون ، وهكذا في الشاهد من عمل عملا أو فعل فعلا لغير ما علم أنه يكون ـ فهو عابث أو جاهل بعواقبه ، وبالله العصمة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ).
وتأويله ما ذكر : (ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً).
وقوله : (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) قالوا ذلك ، لما لم يروا في أنفسهم آثارا وأعلاما تدل على طول المكث والمقام فيه ، ثم لما تذكروا أحوالهم ، وما يرى النائم في نومه من العجائب وأشياء كثيرة ، عرفوا أن ذلك القدر من الأشياء ومثل ذلك من العجائب التي رأوا لا يحتمل أن يكون في يوم أو بعض يوم ، فعند ذلك وكلوا الأمر إلى الله ، فقالوا : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ).
وأما الذي أماته مائة عام لما بعثه قطع القول في ذلك ، ولم يكل الأمر إلى الله حيث
__________________
(١) تقدم.