قال : (قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ؛ لأنه كان ميتا ، والميت لا يرى شيئا ، ولم يكن في نفسه آثار تدل على ذلك ، فقطع القول فيه ، ولم يكل الأمر إلى الله.
وأما النائم فإنه يرى في نومه أشياء فيعرف أنه لا يكون في وقت قصير ؛ لذلك وكلوا الأمر إلى الله تعالى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ).
فيه أنهم لما فارقوا ومعهم زاد وهو الورق ، أمر بعضهم بعضا : أن يبعث بالورق ، ليأتيهم بالطعام ، وفيه أنه أضاف الورق إليهم ، ولا شك أنه كان له فيه نصيب حيث قال : (بِوَرِقِكُمْ هذِهِ) ، وفيه دلالة جواز المناهدة في الأسفار وغيرها ؛ إذ كان ذلك الورق بينهم ، وفيه دلالة جواز الوكالة ، وأنها ليست بمبدعة ، ولكن كانت في القرون الماضية وهي متوارثة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً).
اختلف فيه : قال بعضهم (١) : قوله : (أَزْكى طَعاماً) أي : أحل طعاما ؛ لأن بعض أهل تلك المدينة يذبحون للأصنام وباسم الأوثان التي كانوا يعبدونها ، فأمروا بأن يأتيهم بحلال يحل لهم أكله والتناول منه.
وقال بعضهم (٢) : (أَزْكى) : أرخص وأكثر ؛ لأنهم في مكان لا يدرون متى يخرجون منه ، فطلبوا الأكثر ؛ لشدة حاجتهم إليه ويكفي لوقت مقامهم ونحوه.
وقال بعضهم (٣) : (أَزْكى طَعاماً) أي : أطيب وأجود ؛ لأن الطيب أزيد للعقول وأصلح للأنفس وأنفع ؛ ولذلك جعل الله أرزاق البشر ما هو أطيب وألين ؛ لما يزيد ذلك في العقول والفهم ، وجعل لغيرهم من الدواب كل خشن خبيث ، لما ليس لهم عقول يحتاج إلى ما يزيد لها فيها ، وأصل الزكاء : النماء والزيادة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً).
يحتمل قوله : (وَلْيَتَلَطَّفْ) أي : ليرفق بهم ؛ لئلا يشعروا أنه من أولئك الذين فارقوهم لدينهم.
أو أمره بالتلطف ، أي : بالسماحة والسهولة في الشراء ؛ لما جاء في الخبر : «رحم الله
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٩٢) ، وهو قول سعيد بن جبير.
(٢) قاله عكرمة ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٢٩٦١) و (٢٢٩٦٢)
(٣) قاله الضحاك ومقاتل بن حيان كما تفسير البغوي (٣ / ١٥٥).