كيف كانت القصة؟ وفي ظاهر الآية أنه أطلع عليهم بعد ما أنامهم وبعثهم ، وليس فيه بيان أنه من أطلع عليهم الملك الأول أو الثاني أو القوم أو غيرهم؟ ولا يجوز أن يقطع القول فيه أنه فلان ؛ لأن هذه الأنباء ذكرت في القرآن حجة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلو قطع القول على شيء أو زيد أو نقص عما كان في كتبهم ، خرجت عن أن تكون حجة له.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ).
يشبه أن يكون الرسل من قبل كانوا يخبرون قومهم أن نفرا يهربون من ملكهم ؛ إشفاقا على دينهم ، ويلتجئون إلى الكهف فينامون كذا وكذا سنة ، ثم يبعثون ، فأكذبهم قومهم بما أخبروا قومهم من أنبائهم ، فقال : (أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا) أن ما وعد الرسل وأخبروهم من نبأ أصحاب الكهف حق.
والثاني : يحتمل أن يكونوا ينكرون البعث والساعة ، والرسل يخبرون أنهم يبعثون ، فأطلع على أولئك ؛ ليعلموا أن البعث والقيامة حق ؛ لأن الأعجوبة في إبقاء أنفس أصحاب الكهف في نومهم ثلاثمائة سنة أو أكثر بلا غذاء يغتذون ، ولا طعام يطعمون ، ولا شيء تقوم به الأنفس ـ إن لم تكن أكثر وأعظم من إحياء الموتى وجمع العظام الناخرة البالية لا تكون دونه ؛ لما لم يروا الأنفس لا تبقى أياما بلا غذاء فضلا أن تبقى سنين كثيرة ثلاثمائة أو أكثر ، فبعث هؤلاء ؛ ليعلم من أنكر البعث [أن] من قدر على إبقاء الأنفس مدة مديدة طويلة بلا غذاء تغتذي [به] لقادر على إحياء الموتى وبعثهم بعد الموت.
أو أن يكون ما ذكرنا بدءا : أن الرسل السالفة كأنهم أخبروا قومهم عن قصة أصحاب الكهف فكذبوهم ، فأطلع الله نبأهم وخبرهم ؛ ليعلم أولئك أن الذي أخبرهم الرسل حق وصدق ، والله أعلم.
ثم إن هذه الأنباء والقصص المتقدمة ذكرت في القرآن حجة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ودلالة في إثبات رسالته ، فلا يجوز أن يقطع القول في شيء لم يبين فيه ولم يوضح ولم يفسر ؛ لما يخاف فيه الكذب على الله ، ولا الزيادة فيها والنقصان على ما ذكر فيه ؛ لما لعلها تخرج مخالفة لما ذكر في كتبهم ؛ فلا يكون له فيها حجة ولا دلالة.
فإن قيل : كيف علموا أن ما أخبرهم الرسل حق إذا كانوا لا ينكرون أن وعد الله حق ، ولكن يظنون أن ما وعدهم الرسل ويخبرونهم إنما هو اختراع منهم لا وعد من الله وخبر عن الله؟
قيل : علموا أن ذلك حق بوجوه :
أحدها : ما رأوا من الدراهم التي كانت في يدي المبعوث بشراء الطعام من الضرب المتقدم ، وإن كان يجوز أن تكون تلك الدراهم من كنز أصاب ذلك الرجل لا من دراهم