وأدبهم ألا يعدوا عدة إلا والثنيا بها ملحقة.
ويحتمل أيضا أن يكون الخطاب به لرسول الله ، لكن ليس لأنه قد كان منه ما ذكر من المراء والاستفتاء والوعد بغير ثنيا ، ولكن خاطب به رسول الله ليتأدب غيره من الناس بذلك الأدب ، وهو كما خاطبه بقوله : (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام : ١٤] ونحوه من الخطاب الذي خاطبه به ، فخاطبه به لا لأنه كان منه ذلك أو كان فيه ما ذكر ، ولكن لما ذكرنا من الوجوه فيما تقدم.
ثم اختلف في قوله : (فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً) :
قال بعضهم : ذلك في أمر أصحاب الكهف ، أي : لا تمار فيهم ولا تستفت فيهم منهم إلا قدر ما كان في كتبهم ، فإنك لو ماريتهم بما ليس في كتابهم كذبوك ، ولكن قدر ما في كتبهم ؛ هذا كان على المسألة ، فإن كان على غير المسألة في غير أمر أصحاب الكهف على ابتداء المحاجة والحجاج فهو يحتمل وجهين :
أحدهما : أي : لا تمار فيهم إلا بما هو أظهر ويعرفون ذلك ظاهرا ، من نحو ما يعرفون أن الأصنام التي عبدوها لا تنفع ولا تضر ولا تبصر ولا تسمع ، ونحو ذلك مما يعرفون أنها كذلك.
والثاني : لا تحاجهم بلطائف الحكمة ودقائقها ، ولكن بشيء محسوس ظاهر من الآية ، لا بما يلطف ويدق ، على ما يحاجهم الأنبياء بآيات حسيات.
وفي قوله : (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً) دلالة ألّا يسع النظر في كتاب الفلاسفة إلا على جهة العرض لما فيها على كتاب الله فيؤخذ بما يوافقه ويترك الباقي.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً. إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ).
لو كان فهم الخطاب على ظاهر ما خرج ، لكان في قوله : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً. إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) نهى عن العدة بالثنيا ، فإذ لم يفهم هذا ، ولكن فهموا : لا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن تقول إن شاء الله ، على إضمار القول ؛ دل أن الخطاب ليس يحمل على ظاهر المخرج ، ولكن على ما توجبه الحكمة والدليل.
ثم نهى أن [يعد] عدة ولا يستثني فيها ، وقاس بعض الناس الأيمان على العدات فيقول : إذا حلف ، فإنه يلزمه أن يستثني فيها ، وذلك فاسد ؛ لأن الأيمان تخرج على تعظيم الرب وإجلاله ، فلا يجوز أن يؤمر بالثنيا فيها ؛ لأن الثنيا نقض ذلك التعظيم ،