وقال بعضهم (١) : هو قول الله ، أخبر أنهم لبثوا ما ذكر من المدة ، وازدادوا تسعا ، قال بعضهم : تسع سنين ، لكن ليس فيه بيان أنه أراد تسع سنين أو تسعة أشهر أو تسعة أيام ، فلا ندري أراد بذلك ذا أو ذا (٢)؟ فالأمر فيه إلى الله على ما أمر رسوله أن يقول لهم : (اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
فإن قيل في قوله : (ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ) : ألا قال : ثلاثمائة سنة ، كما يقال : ثلاثمائة رجل وثلاثمائة درهم ونحوه؟
قال بعض أهل الأدب : إنه لم يضف ثلاثمائة إلى سنين ، ولكنه أراد إتمام الكلام بقوله : (ثَلاثَ مِائَةٍ) ؛ لذلك نون فيها ، ثم أخبر ما تلك الثلاثمائة؟ فقال : سنين على القطع من الأول ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا).
هو ما ذكرنا : أنه جعل علم مدة لبثهم في كهفهم إلى الله تعالى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
يحتمل هذا وجوها ثلاثة :
أحدها : له علم ما غاب عن أهل السموات وأهل الأرض ؛ كقوله : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ).
والثاني : له علم ما غيب وأسر أهل السموات والأرض بعضهم من بعض.
والثالث : له علم غيب ما شاهد أهل السموات وأهل الأرض ؛ لأن فيما شاهدوا من الأشياء وعاينوها غيبا وسرية لم يعلموه ، من نحو الشمس شاهدوها وعرفوا أنها شمس ، ولكن لم يعلموا ما فيها من المعنى الذي به صلاح الأشياء ومنافعها ، وكذلك القمر ، وإنما شاهدوا هذه الأشياء ، ولكن لم يعرفوا المعنى الذي به صارت نافعة للأشياء ومصلحتها ، وكذلك السمع والبصر والعقل ونحوه من الحواس ، عرفوا هذه الحواس على ظواهرها ولكن لا يعرفون المعنى الذي به يسمعون ويبصرون ويفهمون ، فيقول : له علم ما غاب عنكم من هذه الأشياء التي شاهدتموها ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ).
هذا كلام يتكلم على النهاية والغاية والإبلاغ من الوصف ، ويقال : أكرم به من فلان ،
__________________
(١) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٢٩٩٩ ، ٢٣٠٠٠) ، وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٩٦).
(٢) ينظر : اللباب (١٢ / ٤٦٤)