وجائز أن يكون المراد بهذا الخطاب غير النبي ، وهو الأشبه ؛ لما لا يحتمل أن يكون النبي صلىاللهعليهوسلم يعد عدة ولا يذكر الثنيا ؛ لما يعرف ألا يكون شيء إلا بمشيئة الله وإرادته ، وأما غير النبي فجائز ألا يعرف ذلك ؛ لذلك كان غيره أولى به يخرج منه على التعريف لهم والعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) :
هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) أي : إذا ذكرته بعد ما نسيت فاذكره ؛ كقوله : (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأنعام : ٦٨] فعلى ذلك هذا.
والثاني : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) ، أي : الثنيا في آخر الكلام إذا نسيت أوله ـ أعني : الثنيا ـ إذ المستحب أن يستثني في أول كلامه على التبرك ؛ كقوله : (وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ) [البقرة : ٧٠] استثنوا أولا ثم وعدوا ، فهو المستحب ، فكأنه قال : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ) : الثنيا في آخر كلامك (إِذا نَسِيتَ) في أوله وهو الثنيا ، وهذا يرد على أصحاب الظاهر ؛ لأن ظاهر الكتاب أن يخاطبهم بذكره إذا نسوا ، ولا يجوز أن يخاطب أحدا في حال نسيانه ، فإذ لم يفهم من هذا هذا ، دل أنه لا يفهم على ما خرج ظاهره ، ولكن على ما يصح ويوجب الحكمة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً).
قال بعضهم : أي : قل : عسى أن يهديني ربي لآية هي أوضح على دلالة رسالتي وآخذ مما تسألونني من أمر أصحاب الكهف ؛ لأنهم كانوا : يسألونه عن خبرهم فيستدلون على رسالته وصدقه ؛ فيقول : قد هداني ربي لآية على دلالة رسالتي أوضح مما تسألونني وآخذ للقلوب ؛ إذ كانت له آيات حسيات على رسالته.
وقال الحسن : قوله : (وَقُلْ عَسى) وعسى من الله واجب ، أي : قد هداني ربي الرشد والصواب ، وأما غيره من أهل التأويل يقولون : إنه وعد لأولئك أن يخبرهم غدا عما يسألونه ، وقال : عسى أن يرشدني ربي لأسرع من هذا الميعاد الذي وعدت ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ).
قال بعضهم : هو صلة قول أولئك الذين قالوا : (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ ...) الآية ، مع قوله : إنهم لبثوا في كهفهم ما ذكرنا ، فأمره أن يقول لهم : (اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا ...) الآية.