وخذلانه إياهم لما اختاروا وآثروا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً).
قال بعضهم (١) : (فُرُطاً) أي : ضياعا وهلاكا.
وقال بعضهم : (فُرُطاً) أي : خسرانا وخسارا.
وقال أبو عوسجة : هو من التفريط.
وقال غيره : أفرط في القول (٢) كما قال : (إنا رءوس من مضر إن نسلم يسلم الناس بعدنا) على ما ذكر في بعض القصة.
وقال أبو عبيدة (٣) : فرطا ، أي : ندما.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ).
كأنه على الإضمار ، أي : قل : قد جئتكم بالحق من ربكم.
أو يقول : قل لهم : قد تعلمون أني قد جئتكم من الآيات والحجج على ما أدعوكم إليه ما لا يحتمل بليتي ويخرج عن وسعي وطاقتي.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ).
ثم يحتمل هذا وجوها :
أحدها : من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ؛ فإنه إنما يعمل لنفسه ليس يعمل لأحد سواه ؛ كقوله : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) [فصلت : ٤٦] ، وقوله : (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ ...) الآية [الإسراء : ٧] ؛ فعلى ذلك يقول ، والله أعلم.
والثاني : يقول : إني بلغت الرسالة إليكم فلا أكرهكم أنا على الإسلام ولا أحد سواي ، فمن شاء منكم فليؤمن ومن شاء فليكفر ، فإنه إنما يؤمن باختياره ومشيئته ، ومن كفر فإنما يكفر باختياره ومشيئته لا يكره على ذلك.
والثالث : أن الإيمان والكفر قد بين الله لهما العواقب ما عاقبة من اختار الإيمان وما عاقبة من اختار الكفر ، وهو ما قال : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها ...) إلى آخر ما ذكر ، وقال للمؤمنين : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً. أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ ...) الآية. يقول : قد بين لكل واحد منهما عاقبة ، فمن شاء اكتسب لنفسه في العاقبة الجنان وما فيها من النعيم ، ومن شاء اكتسب ما ذكر في العاقبة من النار وأنواع العذاب ، فذلك كله يخرج على الوعيد.
__________________
(١) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٣٠٢٤ ، ٢٣٠٢٥) وعن خباب (٢٣٠٢٧).
(٢) زاد في أكلمة كأنها : ليس.
(٣) انظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٦٦) ، مجاز القرآن (١ / ٣٩٨).