[المؤمنون : ١١٥] : صير خلقهم على غير رجوع إليه عبثا.
أو يكون محاجته في تسفيهه إياه في عبادته غير الله ، يقول : أكفرت نعمة الذي خلق أصلك من تراب ، وخلق نفسك من نطفة ، ثم سواك صحيحا ، فصرفت شكر نعمه إلى غيره ، وعبدت غيره على هذه الوجوه الثلاثة.
ويحتمل محاجته إياه إما في إنكار قدرته في بعثه وإعادته ، أو إنكاره الحكمة في البعث ، أو في إنكاره نعمه وصرفه الشكر إلى غيره ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي).
كأنه قال : لكن الذي خلق أصلك من تراب ، وخلق أصلك من نطفة هو ربي ، ولا أشرك بربي أحدا.
وقال الخليل : (لكِنَّا) إنما هو على تأويل : لكني أنا أقول هو الله ربي ؛ كقوله : (إِنِّي أَنَا أَخُوكَ) [يوسف : ٦٩] إنهم حين ألقوا الألف من (أنا) أثبتوها بعد النون ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ) ، نظرت إلى ما أنعم الله عليك وقمت بشكره دون أن اشتغلت بازدرائى ، ونظرت إلى قلة ذات حالي ويدي ، واشتغلت بالافتخار على ، وكذلك قال : (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً).
ثم ذكر طمعه ورجاءه على ربه وخوفه ؛ حيث قال : (فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ).
ويرسل على جنتك حسبانا من السماء.
قال أهل التأويل (١) : الحسبان : العذاب ، إلا أن أبا بكر الأصم قال : عذابا على حساب ما عملوا ، وذلك جزاؤه في الكفرة ، وهو ما ذكر في الجنتين اللتين أهلكهما ؛ حيث قال : (ذَواتَيْ أُكُلٍ ...) [سبأ : ١٦] إلى قوله : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ ...) الآية [سبأ : ١٧].
وقال أبو عوسجة : (حُسْباناً) أي : عذابا زاده على حساب ما عملوا ، وذلك جزاؤه في الكفرة ، وهو ما ذكر في الجنتين اللتين له ، والحسبان : الصغار من النبل ، والحسبانة واحدة ، والحسبان جمع ، والأول عذاب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً).
قال أبو عوسجة (صَعِيداً زَلَقاً) : الذي ليس عليه نبت ، و (زَلَقاً) ، أي : تسوية.
وقال القتبي (٢) : الصعيد : الأملس المستوي ، والزلق : الذي يزول عنه الأقدام.
__________________
(١) قاله ابن عباس : أخرجه ابن جرير عنه (٢٣٠٧٠) ، وهو قول قتادة والضحاك وابن زيد.
(٢) انظر : مجاز القرآن لأبي عبيدة (١ / ٤٠٣) ، وتفسير غريب القرآن ص (٢٦٧).