ما ذكر.
أو أن يكون قال : يعطيني ربي في الآخرة مثل ذلك أو خيرا منها ، فقال له عند ذلك : (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) ، أي : قد تفضل علي في الدنيا وفضلني عليك فيفضلني أيضا في الآخرة عليك ، حيث قال : (لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً) إن كان ما تزعم صدقا أنا نبعث ونرد إلى الله وإلا على الابتداء لا يصلح.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ).
يحتمل : أي : ظالم نفسه ، ويحتمل : أن يكون قوله : (لِنَفْسِهِ) : بدنه ، وهو ظالم المعنى الذي يكون في النفس به يستعملها فيما تستعمل ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً).
قال بعضهم : (ما أَظُنُ) ، أي : ما أثق وما أعلم.
وقال بعضهم : هو الظن ؛ لأن صاحبه كان يناظره فيه ، فاضطرب في فنائها وقيام الساعة فشك فيه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً) ما دامت نفسه ، أو كأنه لم يشاهد الهلاك ، ولم ينظر إليه ؛ فقال ذلك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً) ، أي : لو رددت إلى ربي ـ على ما تزعم ـ [لأجدن] خيرا منها منقلبا إن كنت صادقا.
وقوله : (قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ).
أي : خلق أصلك من تراب ، وخلقك من نطفة ، ثم سواك رجلا ، أي : صححك وقومك رجلا.
جائز أن يكون محاجته إياه في هذه ، لإنكاره البعث ، أي : كفرت وأنكرت قدرة الله على البعث والإعادة ، وهو خلق أصلك من تراب ، وخلق نفسك من نطفة ، فأنت إذا مت وهلكت تصير ترابا أو ماء ، فإذا قدر على خلق أصلك من تراب ، وخلق نفسك من ماء [فإنه] لقادر على إعادتك وبعثك بعد ما صرت ترابا أو ماء.
أو يكون محاجته في إنكاره حكمة الله ؛ فيقول : خلق أصلك من تراب ، وخلق نفسك من نطفة ، ثم سواك رجلا وصححك ؛ فإن لم يبعثك ويعدك كان خلقك وخلق أصلك بما ذكر عبثا غير حكمة ؛ إذ من بنى بناء ثم نقضه على غير قصد الانتفاع به كان في بنائه عابثا في الابتداء تائها سفيها غير حكيم ؛ فعلى ذلك : خلقك وخلق أصلك من غير إعادة من بعد يكون سفها على غير حكمة ، وهو ما قال : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً ...) الآية