القرنين وبنائه ونبأ أصحاب الكهف وأخبارهم ؛ ليتبين لهم صدقه ؛ إذ علموا أن تلك الأنباء والقصص لا يعلم ولا يعرفها إلا من علم كتاب الله ؛ إذ كان ذلك في كتب الله ، وهو لم يعرف تلك الكتب ؛ لأنها كانت بغير لسانه ، ولم يروه اختلف إلى من يعرفها ليتعلم منه ، ثم أنبأهم على ما كان في كتبهم ، فدل أن ذلك إنما عرف بالله وأنه صادق فيما يدعي من الرسالة ، على هذا يجوز أن يقال ـ والله أعلم ـ فيكون في ذلك آية لرسالته ونبوته.
أو أن يكون قوله : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ ...) إلى آخره ، أي : اضرب لهم مثلك ومثلهم مثل رجلين ، فيكون مثلك ومثلهم مثل ما ذكر من رجلين ... إلى آخره (١).
أو أن يكون قوله : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ ...) أي : اضرب للمعتبرين والمتوسمين مثل رجلين ، كل رجلين هذا سبيلهما ، يرغب أحدهما في الدنيا وزينتها ويطلبها لا يرى غيرها ، والآخر يرغب في الزهد فيها وترك الطلب لها والرغبة في الآخرة ، فإن كان على هذا أو ما ذكرنا من ضرب مثله ومثل أولئك ، فهو على الابتداء ، فيخرج على الاعتبار والتفكر فيما ذكر تنبيها وإيقاظا ، وإن كان على السؤال عما كان فهو ليس على الاعتبار ، ولكن على الإنباء أنه رسول ، ففيه آية لرسالته ونبوته.
ثم قوله : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً) ، أي : بين الجنتين ، (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها) ، أي : حملها ، ولم يقل : (آتتا أكلهما) ، خرج على اسم واحد وإن كان في المعنى على التثنية ، وذلك جائز في اللغة ؛ كقولك : كلتا المرأتين صالحة ، وكلانا صالح ، وفيه قول الشاعر :
كلانا شاعر من حي صدق |
|
ولكن الرحى نقلوا الثفالي |
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) أي : لم تنقص من ثمرها شيئا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً) أي : أجرينا بينهما مياها جارية.
وقوله : (وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ) قال بعضهم : من قرأ : (ثَمَرٌ) بالرفع فهو كل ما كان يملك من الجنان وغيرها ، ومن قرأ بالنصب فهو على الثمر.
وقال بعضهم : الثمر بالنصب فهو الثمر ، والثمر بالرفع فهو جميع الثمار ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ) يكلمه أو يجيبه أو ينازعه ويناظره : (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) لا يحتمل أن يكون هذا الخطاب منه على الابتداء ؛ لأنه لا يصلح على الابتداء ؛ فيشبه أن يكون كان من صاحبه له وعيد وتخويف ، فعند ذلك قال له
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٢ / ٤٨٣ ـ ٤٨٤)