إياها في الدنيا.
والثاني : لقد جئتمونا كما قلنا في الدنيا : إنكم تبعثون ، وتحشرون ، وتقوم لكم الساعة.
والثالث : ما قاله أهل التأويل : لقد جئتمونا فرادى بلا أنصار ينصرونكم ، ولا أعوان يعينونكم على ما كنتم في الابتداء.
وقال بعضهم : كما خرجتم من بطون أمهاتكم عراة وحفاة ليس معكم مال يمانعكم ولا أنصار تناصركم ، وهو ما قال : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ ...) [الأنعام : ٩٤].
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً).
هذا يدل أن تلك الأهوال التي ذكر إنما تكون للعصاة ، ومن أنكر البعث ؛ حيث قال : (بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً) يعني : القيامة. وهذا يدل أن الأهوال والأفزاع التي ذكر في الآية الأولى تكون للعصاة والفسقة من خلقه دون المؤمنين.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَوُضِعَ الْكِتابُ).
قيل : الحساب ، ويحتمل : الكتاب الذي كتبته الملائكة ، وضع ذلك الكتاب في أيديهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ).
أي : خائفين وجلين وقال بعضهم : لما نظروا في الكتاب فرأوا من أعمالهم الخبيثة فيه عند ذلك خافوا مما فيه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً).
من الأعمال السيئة.
(إِلَّا أَحْصاها) ، أي : حفظها ، ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة من الحسنات والسيئات إلا أحصاها.
ويحتمل قوله : (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً) ، أي : لا يترك شيئا ممّا يجزى به الإنسان وما لا يجزى به (إِلَّا أَحْصاها) ، أي : حفظها.
(وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا) ، في الدنيا ، (حاضِراً) ، في الآخرة ، محفوظا غير فائت عنه شيء ولا غائب منه.
وقال بعضهم : إنما هو قول الملك يقول لهم ذلك ، كقوله : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق : ١٨] ، أي : حفيظ ، والله أعلم.