قال بعضهم : قال هذا لمشركي العرب : حيث قالوا : الملائكة بنات الله ، والأصنام التي عبدوها : إنها آلهة وإنها شركاؤه ، فيقول : ما أشهدتهم خلق الملائكة وخلق الأرض ولا خلق أنفسهم ، ولا كان لهم كتاب ، ولا آمنوا برسول ؛ فكيف عرفوا ما قالوا : الملائكة بنات الله ، والأصنام آلهة وشركاؤه؟! وأسباب العلم والمعارف هذا : إما المشاهدة وإما الرسل ، فإذا لم يكن لهم واحد مما ذكرنا ؛ فكيف عرفوا ربهم؟! وبم علموا ما قالوا في الله من الولد والشركاء؟! وإلى هذا يذهب الحسن.
ومنهم من قال : لاتخاذهم إبليس وذريته أولياء وأربابا ، وهو صلة ما قال : (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ...) الآية ، وفيه وجوه من التأويل : يقول : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) ، أي : ما استحضرتهم خلق أنفسهم ؛ لأنهم لم يكونوا في ذلك الوقت ، ولا خلق السموات والأرض ؛ لأنه خلقهما ولم يكونوا ـ أيضا ـ شيئا.
أو (ما أَشْهَدْتُهُمْ) ما أعلمتهم تدبير خلق السموات والأرض ، ولا تدبير خلق أنفسهم ؛ فكيف قالوا ما قالوا في الله من الدعاوى؟!
والثالث : (ما أَشْهَدْتُهُمْ) أي : ما استعنت بهم في خلق السموات والأرض ، ولا في خلق أنفسهم ؛ فكيف أشركوا في ألوهيتي وربوبيتي ، وما استعنت بهم في ذلك. والله أعلم.
وقد استدل كثير من المتكلمين بهذه الآية على أن خلق الشيء هو غير ذلك الشيء لأنه قال : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) ، وقد شهدوا السموات والأرض ، وشهدوا أنفسهم حتى قال لهم : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) [الذاريات : ٢١] ثم أخبر أنه لم يشهدهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم ؛ دل أن خلق السموات والأرض وخلق أنفسهم ـ غير السموات والأرض وغير أنفسهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً).
قال بعضهم : (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ) : عن الإيمان والهدى أعوانا لديني.
والثاني : وما كنت متخذ المضلين عبادي بنصر ديني ، أو بعون أوليائي.
وقال بعضهم (١) : (وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ) الذين أضلوا بني آدم عونا فيما خلقت من خلق السموات والأرض وخلق أنفسهم ، وهو إبليس وذريته.
__________________
(١) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢٣١٣٨ ، ٢٣١٣٩) ، وعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٤١٤) ، وهو قول السدي ومجاهد.