الذي فقد الحوت فيه ، إذ ذلك المكان هو مكان علم وجود ذلك الرجل الذي أمر موسى بالمصير إليه.
وقال بعضهم : اقتفيا أثر الحوت في الماء ، لكن الأول أشبه ؛ لأن في الآية ذكر آثارهما لا ذكر أثر الحوت.
وقوله : (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا).
يحتمل قوله : (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) النبوة (١) ؛ حيث قال لموسى : (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) : لا يحتمل أن يقول له هذا إلا على علم وحي ، وحيث قال : (وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) : أخبر أنه لم يفعل ما فعل عن أمر نفسه ، ولكن أمر الله ، والله أعلم.
ويحتمل قوله : (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) كل خير وبركة أعطاها الله إياه.
أو أن يكون رحمة القلب والشفقة التي كانت منه على أهل السفينة ؛ بخرقها ، وقتل ذلك الغلام الذي قتله ؛ إشفاقا منه على والديه أو على الناس ، وإقامة الجدار الذي كاد أن ينقض فأقامه ، وأمثاله.
وقوله : (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) : هو ظاهر.
وقوله : (قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ).
في قوله : (هَلْ أَتَّبِعُكَ) دلالة أنه كان على سفر ، ولم يكن مقيما في ذلك المكان ، ومن يتعلم من آخر علما فإنه يتبعه حيث يذهب هو في حوائجه لا يؤمر بالمقام حيث يقيم المتعلم ؛ لأنه قال : (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ).
وقوله : (مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً).
يحتمل : أي : أرشدني إلى ما علمت ، أو تعلمني مما علمت من الرشد والصواب (٢).
وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً).
بما ترى مني من الأمور ما يخرج في الظاهر مخرج المناكير.
أو يقول : إنك نبي ورسول ، والرسول إذا رأى منكرا في الظاهر لا يسع له ترك الإنكار عليه والتغيير ، وأنت لا تصبر على ما ترى مني ؛ لما لم تعرف سببه ؛ ألا ترى أنه وسع له الإنكار عليه والتغيير ؛ حيث قال له : (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً).
أي : ما لم تعلم علما ، والله أعلم.
وقوله : (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً).
يحتمل أن الثنيا منه على الأمرين جميعا على الصبر الذي وعد ، وعلى قوله : (وَلا
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٢ / ٥٢٩ ـ ٥٣٠)
(٢) ينظر : اللباب (١٢ / ٥٣١).