وقال بعضهم (١) : (وَلا تُرْهِقْنِي) ، أي : لا تغشني عسرا.
وقوله : (فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ).
يحتمل هذا الكلام ـ أيضا ـ وجهين :
على الإنكار ، والردّ عليه.
والثاني : على الاستفهام والسؤال على ما ذكرنا في الأول : أقتلت نفسا زاكية بغير نفس؟ أو بحق؟ أو لما ذا؟
أو على الإنكار والردّ على ما رأى في الظاهر قتل نفس ولم يعرف الوجه الذي به يجب القتل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً).
هو على ما ذكرنا على الإنكار ظاهر ، وعلى الاستفهام والسؤال على الإضمار : أقتلت نفسا زاكية بغير نفس فلئن فعلت لقد جئت شيئا نكرا ، أي : منكرا :
ثم اختلف في قوله : (نُكْراً).
قال بعضهم : (نُكْراً) : أكبر من قوله : (إِمْراً) لأن فيه مباشرة القتل وإهلاك النفس بغير نفس ؛ فهو أكبر وليس في نفس الخرق إهلاك ، وإنما هو سبب الإهلاك ، وقد يجوز ألا يهلك.
وقال بعضهم : قوله : (إِمْراً) أكبر من قوله : (نُكْراً) ؛ لأن فيه إهلاك جماعة ، وهاهنا إهلاك واحد ، فهو دون الأول ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً).
ما ذكرنا في الأوّل.
وقوله : (قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً).
في ترك المصاحبة عذر ؛ لما قلت لي : (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) ، ولم أصبر.
وقوله : (فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما).
سمّى : قرية ، وهي كانت مدينة ؛ ألا ترى أنه قال في آخره : (وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ) ؛ دل أنها كانت مدينة ، والعرب قد تسمي المدينة : قرية.
وقوله : (اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ).
قال الحسن : كان ذلك الجدار بهيئة عند الناظر أنه يسقط.
وقال أبو بكر الأصم : (يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) الإرادة : صفة كل فاعل له حقيقة الفعل ، أو
__________________
(١) قاله ابن جرير (٨ / ٢٥٨) ، وأبو عبيدة في مجاز القرآن (١ / ٤١٠) ، وابن قتيبة في تفسير غريب القرآن ص (٢٧٠).