بنى.
فإن قيل : كيف قال له موسى : (أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها) ، وبعد لم يعلم أن ذلك الخرق مغرق أهلها ، وقد يجوز أن يكون غير مغرق؟!
قيل : إنما أخبر عما يئول الأمر في العاقبة ، والظاهر من الخرق أن يغرق في الآخرة ، وهو كما ذكرنا من أمر البناء والزرع : بنيت لتخرب ، وزرعت لتفسد ، وإن لم يكن بناؤه وزراعته لذلك ، فعلى ذلك قول موسى لصاحبه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً).
هذه الآية [ترد] على المعتزلة ؛ لأنه قال له : (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) : دل أنه كان يحتاج إلى استطاعة تقارن الفعل لا تتقدم الفعل فيكون بها الفعل ، وإلا قد كانت له أسباب لو لم يؤثر غيرها لاستطاع الصبر معه ؛ دل أن استطاعة الفعل [لا تتقدم على الفعل] ولكن تقارنه.
وقال الحسن : إنما يقال هذا ؛ للاستثقال كما يقول الرجل لآخر : لا أستطيع أن انظر إليك بغضا ، وهو ناظر إليه ، لكن يقال ذلك على الاستثقال والبغض ليس على حقيقة نفي الاستطاعة ؛ فعلى ذلك الأوّل ، فيقال له هو كما يقال : لا أستطيع أن انظر إليك نظر الرحمة ، فهو وإن كان ناظرا إليه لما ذكر ـ فهو غير ناظر إليه نظر رحمة وشفقة ؛ فهما سواء وهو ما يقوله ، والله أعلم.
وقوله عزوجل : (لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ).
يحتمل هذا الكلام وجوها :
أحدها : على التعريض من الكلام ، أي : لا تؤاخذني بما لو نسيت ؛ كقول إبراهيم حيث قال : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ. فَقالَ إِنِّي ...) [الصافات : ٨٨ ، ٨٩] ، ونحوه ، أي : سأسقم.
والثاني : على حقيقة النسيان ؛ نسي قوله : (فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ) بعدها ؛ لما رأى من المناكير في الظاهر ، وهكذا كانت عادة الأنبياء أنهم إذا رأوا منكرا لا يملكون أنفسهم حزنا وغضبا على ما رأوا فلا ينكر أن يكون نسي ما قال له.
وقال بعضهم : على التضييع والترك ، فهو يخرج على الأول ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً).
قال بعضهم (١) : لا تكلفني من أمري ما يعسر عليّ.
وقال بعضهم : الإرهاق : هو الشدة والتعب.
__________________
(١) قاله البغوي (٣ / ١٧٤).