وقوله : (أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) ، وأما من آمن كذا : يحتمل هذا منه إلهام من الله ـ تعالى ـ أو تعليم الملك الذي كان فيه ، أو كان معه نبي فأخبر له بذلك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً).
اختلف في ذلك :
قال بعضهم (١) : علم المنازل : أي : منازل الأرض ومعالمها وآثارها.
وقال [بعضهم](٢) : العلم والقوة.
وقال بعضهم : أعطاه السبب الذي به صلاح ما مكن له ، وملك له مما يقع له الحاجة إليه.
وقال بعضهم : ذلك السّبب كان أنعاما : كان عليها يحمل الخشب ، فيتخذ منه سفينة إن استقبله بحر ، فيعبر بها ، ثم ينقضها ويحمل الخشب على الأنعام ويعبر البر على الدواب ، فذلك السبب الذي ذكر.
وأصله : أنه ذكر أنه أتاه السبب الذي به صلاح ما مكن له وملك عليه ، ولم يبيّن ما ذلك السبب ؛ فلا ندري ما أراد بذلك؟ والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ).
كأنه أراد وطلب أن يعرف أنها أين تغرب؟ حيث قال : (وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) ، وفيه لغتان : (حامِيَةً) و (حَمِئَةٍ) ، قالوا من قرأها : (حامِيَةً) أراد : في عين حارة ، ومن قرأ (حَمِئَةٍ) ـ مهموزة بغير ألف ـ أراد الحمأة : وهي الطينة السوداء ، والله أعلم بذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً).
قال بعضهم : كانوا كفارا ومؤمنين الفريقان جميعا ، فقال في الكفار : (إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ) ، وهو القتل ، [و] قال في المؤمنين : (وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) : ليس على التخيير ؛ ولكن على الحكم في كل فريق على حدة.
وقال بعضهم : كانوا كلهم كفارا ؛ فيكون تأويل قوله : (إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ) : إذا لم يجيبوك ، (وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) : إذا أجابوك وآمنوا بالله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً. وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى).
هذا أنه حكم بذلك بتعليم نبي أو ملك كان معه ، أو حكم بذلك ؛ لما كان عرف أن سنة الله في الكفار القتل والإهلاك ، وفي المؤمنين الترك والإحسان ، أو ألهم إلهاما
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٣٢٨٧) ، وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٤٤٥) ، وهو قول مجاهد وقتادة والضحاك.
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٣٢٨١) ، وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٤٤٥) وهو قول قتادة وابن جريج والضحاك.