لنا على رسول الله : لندخلن عليه ؛ فانصرفت إليه فأخبرته بمكانهم ؛ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما لي ولهم يسألون عما لا أعلم ، إنما أنا عبد لا علم لي إلا ما علّمني ربّي» ، ثم قال : «أبغني وضوءا أتوضأ به» ، فتوضأ ، ثم قام إلى مسجد في بيته ، فركع فيه ركعتين ، فما انصرف حتى بدا لي السّرور في وجهه ، ثم قال لي : «اذهب فأدخلهم ومن وجدت بالباب من أصحابي» ، فأدخلهم فلما رآهم النبي قال لهم : «إن شئتم أخبرتكم كما تجدونه في كتابكم» (١) ؛ فهذا إن ثبت يدل أنه نزل عليه نبأ ذي القرنين وخبره قبل أن يسأل.
وأما أهل التأويل قالوا جميعا : إنه سئل قبل أن ينزل عليه خبره ، ثم نزل من بعد السؤال ، والله أعلم.
ثم اختلف فيه :
قال الحسن : كان نبيّا ، دليله : ما قال : (قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) ؛ قال : هذا تحكيم من الله إياه فيما ذكر ، ولا يولي الحكم إلا من كان نبيّا.
وأما علي بن أبي طالب (٢) فإنه سئل عن ذلك : كان نبيا أو ملكا؟ فقال : لا واحد منهما.
وقال غير هؤلاء : إنه كان ملكا ؛ يدل على ذلك الخبر الذي روى عقبة بن عامر الجهني : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم سئل عن خبره وبنائه ، قال : فقال رسول الله : «كان غلاما من الروم أعطي ملكا فسار حتى بلغ كذا ...» (٣) ، على ما ذكر في الخبر ، والأشبه أن يكون أنه كان ملكا ؛ ألا ترى أنه قال : (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ).
أي : ملكنا له الأرض له جملة ، ذكر تمكين الأرض له جملة يصنع فيها ما يشاء ، لم يخص له ناحية منها دون ناحية ، وليس كقوله : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً ...) الآية [القصص : ٥٧] ، وكقوله : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) [الأحقاف : ٢٦] : هاهنا خص مكانا لهم دون مكان ، وأما في ذي القرنين ذكر التمكين له في الأرض ، لم يخص ناحية منها دون ناحية ؛ فهو أن ملكه ومكنه الأرض كلها.
وقول الحسن : إنه حكمه وولى له الحكم ـ فهذا لا يدل أنه كان نبيّا ؛ لأن الملوك هم الذين كانوا يتولون الجهاد والغزو في ذلك الزمان ؛ ألا ترى إلى قوله : (ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ) [البقرة : ٢٤٦] : أن الملوك هم الذين كانوا يتولون الجهاد والغزو والقتال في ذلك مع العدو فعلى ذلك هنا.
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٢٣٢٧٥) وابن عبد الحكم في فتوح مصر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الدلائل ، كما في الدر المنثور (٤ / ٤٣٦).
(٢) أخرجه ابن جرير (٢٣٢٧٦ ـ ٢٣٢٧٨) وابن عبد الحكم في فتوح مصر وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف وابن مردويه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٤٣٥).
(٣) تقدم.