وقوله ـ عزوجل ـ : (فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ).
أي : يعلوه ، يعني : على ذلك السد وما استطاعوا له نقبا في أسفله ، ولا يزاد على المذكور في الكتاب في هذه الأنباء ، والقصص ، خوفا للشهادة على الله ، والكذب عليه ، ولكن نذكر مقدار ما ذكر في الكتاب ، لا نزيد على ذلك ، وفي الكتاب القدر الّذي ذكرنا ، والله أعلم.
قال القتبي (١) : يقال للجبل : السدّ و (زُبَرَ) : قطع ، والقطر : النحاس ، وقوله : (أَنْ يَظْهَرُوهُ) أي : يعلوه. يقال : ظهر فلان السطح إذا علاه ، وكذلك قال أبو عوسجة ، وقال : (السَّدَّيْنِ) : ناحيتي الجبل ، والردم : السدّ ، و (الصَّدَفَيْنِ) : هو مثل السدّين ، (أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) ، أي : أصب عليه نحاسا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي) يحتمل أنه السدّ الذي بني وحال بينهم وبين يأجوج ومأجوج ، فذلك منه رحمة ، أي : برحمته كانت تلك الحيلولة ، أو كان ذلك نعمة من الله ، والرحمة هي النعمة ، أي : هذا السدّ بينكم وبينهم نعمة من ربي عليكم.
ثم فيه وجهان :
أحدهما : ذكر أن ذلك كان برحمة من الله إذا فرغ منه ، وقد كان في الابتداء حين سألوه أن يجعل لهم السدّ أضاف الفعل إلى نفسه حيث قال : (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً) دلّ ذلك أن ما فعل برحمة منه وفضل ، وأن له في ذلك صنعا.
والثاني : فيه أن له أن يفعل بالخلق ما ليس هو بأصلح لهم في الدين ؛ لأنه لا يخلو إما أن كان الأول لهم أصلح في الدين ، ثم فعل الثاني ، فلا يكون الثاني أصلح لهم في الدين ، وإذا كان الأصلح لهم في الدّين الثاني فالأول لم يكن ، ثم ذكر أن ذلك رحمة منه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي) ، أي : فإذا جاء الذي به كان وعد ربي وهو الموعود ؛ ولأن الوعد لا يجيء فكأنه قال : موعود ربّي ، وهو خروج يأجوج ومأجوج ، أو فتح ذلك السدّ (جَعَلَهُ دَكَّاءَ) أي : كسرا أو هدما على ما ذكرنا ، و (جَعَلَهُ دَكَّاءَ) أي : هدمه وسواه بالأرض.
وقال القتبي (٢) : (جَعَلَهُ دَكَّاءَ) ، أي : ألصقه بالأرض.
(يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) أي : يجول بعضهم في بعض.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) هذا وعد والأول موعود.
__________________
(١) انظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٧٠).
(٢) انظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٧١) ، ومجاز القرآن (١ / ٤١٥).