يكون مني الولد ، فذلك منه استخبار واستعلام عن الحال الذي يكون منه الولد ، ليس على أنه لم يعرف أنه قادر على إنشاء الولد في حال الكبر ، وبسبب وبلا سبب ، وعلى ذلك يخرج قوله حيث قال كذلك : (قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) ، أي : قبل أن نخلقك لم تك شيئا.
وطلب الآية والعلامة بعد ما بشر يخرج على وجهين :
أحدهما : أنّه لما بشر بالولد لعله أشكل عليه بأن تلك بشارة ملك أو غيره ، فطلب منه العلامة ليعرف أن تلك بشارة ملك ، وأنها من الله أو غيره لأنه ذكر في الآية : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى) [آل عمران : ٣٩] فطلب الآية يخرج منه على استعلام بشارة الملك ، وأن ذلك من الله لا أنه لم يعرف قدرة الله أنه قادر على خلقه في كل حال ، هذا لا يظن بأضعف مؤمن في الدنيا فكيف يظن بنبيّ من الأنبياء؟!
أو أن يكون طلب الآية منه ليعرف وقت حملها الولد ، ووقت وقوعه في الرحم ؛ ليسبق له السرور بحمله عن وقت الولادة ، وعن وقت وقوع بصره عليه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (عَلَيَّ هَيِّنٌ) ، لأني أخلق بسبب ، وبغير سبب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا).
قال بعضهم (١) : آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال ، وأنت سويّ صحيح.
وقال بعضهم (٢) : (ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا) ، أي : ثلاثا تامات بأيامها على ما قاله في آية أخرى : (ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً) [آل عمران : ٤١] ذكر هاهنا ثلاث ليال وفي تلك الآية (٣) ثلاثة أيام والقصة واحدة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا).
قوله : (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ) ، قيل (٤) : أومأ إليهم.
وقيل (٥) : كتب لهم على الأرض.
وجائز أن يكون أوحى إليهم بالشفتين على ما ذكر في آية أخرى : (ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً) [آل عمران : ٤١] ، والرمز : هو تحريك الشفة والإيماء بها.
__________________
(١) قاله السدي : أخرجه ابن جرير عنه (٢٣٥٢٢) وهو قول قتادة وابن زيد.
(٢) قاله السدي : أخرجه ابن جرير عنه (٢٣٥٣١).
(٣) ينظر : اللباب (١٣ / ٢٣).
(٤) قاله سعيد بن جبير ، أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٤٦٩) ، وهو قول قتادة أيضا.
(٥) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير (٢٣٥٣٩) ، وهو قول السدي والحكيم.