وقال بعضهم : الحكمة والعلم. فكيفما كان ففيه فساد مذهب المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : إن الله تعالى لا يخص أحدا بنبوّة ، ولا شيء من الخيرات إلا بعد أن يسبق من المختص له ما يستوجب ذلك الاختصاص ، ويستحقه ، فما الذي كان من يحيى في حال صباه وطفوليته ما يستوجب به النبوة ، وما ذكر من الحكم أنه آتاه ، فدلّ ذلك [أن] الاختصاص منه ـ يكون لمن كان ـ إفضالا منه وإنعاما ورحمة ، لا باستحقاق من المختص له واستيجابه.
وفي قوله : (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ) دلالة أنه كان نبيّا حيث كان أخبر أنه آتاه الكتاب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا) هو على قوله : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) وآتيناه حنانا وزكاة أيضا.
ثم اختلف في قوله : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا) :
قال ابن عباس (١) : تعطفا من لدنا.
وقال بعضهم (٢) : أي : رحمة من لدنا ، وهو قول الحسن (٣).
وقال بعضهم (٤) : الحنان : المحبة.
وقال أبو عوسجة : حنانك وحنانيك كلاهما يعني : رحمتك ، وقال : أصله من التحنن ، وهو الترحم (٥).
وقال القتبي (٦) : أصله من حنين الناقة على ولدها.
وقوله : (وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا).
قال بعضهم (٧) : زكاة ، أي : صدقة تصدق بها على زكريا وزوجته في الوقت الذي لا يرجو فيه مثلهما الولد.
__________________
(١) أخرجه عبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والزجاجي في أماليه وصححه ، والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق عكرمة عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٤٧١) وهو قول مجاهد أيضا.
(٢) قاله ابن عباس : أخرجه ابن جرير (٢٣٥٤٩) وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٤٧١).
(٣) أخرجه عبد بن حميد ، كما في الدر المنثور (٤ / ٤٧١) وهو قول عكرمة وقتادة والضحاك.
(٤) قاله عكرمة وابن زيد ، أخرجه ابن جرير عنهما (٢٣٥٥٧ ، ٢٣٥٥٨).
(٥) ينظر : اللباب (١٣ / ٢٥ ـ ٢٦).
(٦) انظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٧٣).
(٧) قاله قتادة : أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٤٧١) ، وهو قول الكلبي أيضا.