وقال بعضهم (١) : زكاة ، أي : صلاحا وما ينمو به من الخيرات.
وجائز أن يكون الزكاة اسم كل خير وبركة ، وهو كالبر من التقوى ، كأنه قال : أعطيناه كل بر وخير.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكانَ تَقِيًّا) عن جميع الشرور ، كقوله : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) [المائدة : ٢] أي : تعاونوا على البرّ وتعاونوا أيضا على دفع الشرور.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ) هو على قوله : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ) [أي] : وآتيناه البرّ بوالديه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا).
بل كان خاضعا لله ذليلا مطيعا.
وقال الحسن : (وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا) ، أي : لم يكن فيمن يجبر الناس على معصية الله.
وقال أهل التأويل (٢) : (وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً) أي : قتالا ، أي : لم يكن ممّن يقتل على الغضب ويضرب على الغضب.
وأصله ما ذكرنا : أنه كان ـ على ضدّ ما ذكر ـ خاضعا لله ، مطيعا له ، على ما ذكر أنه لم يرتكب ذنبا ولا هم به.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا).
يحتمل : (السلام عليه) الوجوه الثلاثة :
أحدها : هو اسم كل برّ وخير ، أي : عليه كل برّ وخير في هذه الأحوال التي ذكر.
والثاني : (السلام) هو الثناء ، أثنى الله عليه في أوّل أمره إلى آخره ، وبعد الموت في الآخرة ، أو أن يكون قوله : (وَسَلامٌ عَلَيْهِ) أي : السلامة عليه في هذه الأحوال التي يكون للشيطان في تلك الأحوال الاعتراض والنزغ فيها ؛ لأنه وقت الولادة يعترض ويفسد الولد إن وجد السبيل إليه ، وكذلك عند الموت يعترض ويسعى في إفساد أمره فأخبر أن يحيى كان سليما سالما عن نزغات الشيطان ، محفوظا عنه حتى لم يرتكب خطيئة ، ولا همّ بها ، والله أعلم.
وفي قوله : (وَيَوْمَ يَمُوتُ) دلالة أن الموت والقتل سواء ، وإن كان في الحقيقة مختلفا ؛ لأنه ذكر في القصة أن يحيى قتل ، ثم ذكر الموت ، فدل أنهما واحد ، فهذا يرد على
__________________
(١) قاله قتادة بنحوه ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٣٥٦١) ، وهو قول ابن جريج والضحاك.
(٢) قاله البغوي (٣ / ١٩٠).